عبدالحميد البجوقي: لعنة المنفى تلاحق ملوك آل بوربون -حوار

09 أغسطس 2020 - 20:00

ما تعليقكم على وصف مغادرة خوان كارلوس إسبانيا بـالخروج الصغير لملك كبير؟

بالتأكيد لم يكن منتظرا أن يخرج ملك بوزن خوان كارلوس بهذه الطريقة التي لا تليق برجل كان له دور محوري، فيالانتقال نحو الديمقراطية. هو فعلا خروج صغير ومهين لملك كبير طبع المشهد السياسي الإسباني خلال ما يقرب مننصف قرن. وكان خلالها يحظى بشعبية غير مسبوقة في تاريخ الملكية الإسبانية.

عفوا، هل عزله والتحقيق معه ورحيله مرتبط بتدني شعبيته وتورطه في فساد مالي وأخلاقي، أم إنه قُدم ككبش فداء؟

للتدقيق، الملك خوان كارلوس لم يُعزل، بل تنازل عن رئاسة الدولة لصالح ابنه فيليبي السادس، وظل محتفظا بصفة الملكالأب، وهي صفة لا تسقط في كل الملكيات إلا بالموت. وليس الملك خوان كارلوس أول من تنازل عن العرش في الملكياتالأوروبية، إذ سبقته ملكة هولندا التي تنازلت عن العرش لصالح ابنها، وملك بلجيكالكن الواقع أن تنازل الملك خوانكارلوس عن العرش يختلف من حيث الأسباب عن النماذج السابقة الذكر. خوان كارلوس تنازل مضطرا تحت ضغط تورطهوأفراد من أسرته في فضائح فساد مالي وأخلاقي، كان آخرها استلامه عمولة من الملك السعودي على توسطه في حصولشركة إسبانية على صفقة بناء خط القطار السريع بين مكة والمدينة. والتنازل كان بالتنسيق بين الحكومة والعائلة الملكيةوالمعارضة التي كان يقودها آنذاك الحزب الاشتراكي الإسباني. وحتما لم يكن الملك خوان كارلوس كبش فداء، بالنظر إلىتناسل الفضائح التي كان متورطا فيها، والصحيح أن المشهد السياسي الحالي ومستجدات الساحة السياسية منصعود اليسار الجمهوري ومشاركته في الحكومة وانفجار أزمة الانفصال في كاطالونيا، كلها أسباب تفسر التعجيلبإبعاده.

هل كان مخيرا أو مجبرا على الخروج، علما أن بلاغ القصر الإسباني يذهب في اتجاه أن المغادرة كانت إرادية؟

معروف أن الملكية لم تكن تحظى في إسبانيا بشعبية، نظرا إلى تاريخها المتعثر منذ صعود عائلة آل بوربون إلى العرش،وعودتها كانت في ظروف داخلية ودولية أتاحت لها لعب دور مهم ومحوري في الانتقال إلى الديمقراطية، إلى جانبشركائها من اليمين الإصلاحي واليسار الاشتراكي والشيوعي. كما كان للملك خوان كارلوس دور مميز في الحسم معفلول الفرانكاوية بعد الانقلاب الفاشل سنة 1982، واصطفافه إلى جانب الشرعية الديمقراطية كقائد أعلى للقواتالمسلحة. حظي على إثرها الملك خوان كارلوس بشعبية غير مسبوقة في تاريخ ملوك البوربون، ولم تقترن هذه الشعبيةبالمؤسسة الملكية، بقدر ما ارتبطت بشخص الملك خوان كارلوس، والمعروف أن الشعب الإسباني أصبح في أغلبهخوانكارلوسيا، وليس بالضرورة ملكيا. هذا الدور الذي لعبته الملكية في شخص خوان كارلوس أصبح مهددا بعدماانتشرت أخبار تورطه في العديد من فضائح الفساد المالي والأخلاقي، ووافق ذلك انفجار أزمة الانفصال في كاطالونياالتي تحتاج إلى استقرار في أعلى هرم الدولة، وإلى ملك قادر على لعب دور الحكم والوسيط والمُسهِّل لحل سياسييُرضي كل الأطراف. أمام هذا الوضع السياسي الداخلي وتعقيداته المتصاعدة لم يعد هناك مكان لملك تلاحقه الفضائحالمالية والأخلاقية، ما عجّل بتنازله. وما نشهده الآن، من مغادرة لإسبانيا تبدو إرادية، تأتي تحت ضغط التحقيق القضائيفي سويسرا وشهادة صديقته كورينا أمام القاضي السويسري على توصله بعمولات من دول أجنبية، وتهديد هذهالفضائح للملكية وعودة النقاش عن الجمهورية، وكذلك تهديد استقرار الدولة. الخلاصة أن المنفى اختياري، لكنه جرىبإيعاز من الحكومة وموافقة الملك فيليبي السادس. وهي عودة إلى منفى جاء منه صغيرا ليشرف على تربيته الديكتاتورفرانكو وتهيئة عودة الملكية في شخصه بالاتفاق مع الملك الأب خوان دي بوربون وريث الملك ألفونصو الثالث عشر، الذيغادر إلى المنفى بعد سقوط الملكية وإعلان الجمهورية الثانية في 14 أبريل من سنة 1931. وكأن لعنة المنفى تلاحقالملوك آل بوربون.

ربما لم يكن ليحدث هذا الخروج الصغير لو كان اليمين في الحكم..

لاشك أن عودة اليسار بقوة إلى المشهد السياسي الإسباني، ووصول حزب بوديموس إلى الحكومة الائتلافية الأولى فيتاريخ الديمقراطية الإسبانية بقيادة الاشتراكيين، ومواقف حزب بوديموس وحليفه اليسار الموحد المعروفة بالدفاع عن عودةالجمهورية والدعوة إلى استفتاء شعبي للحسم في ذلك، له قدر كبير من التأثير على قرارات الملك الحالي في محاولتهللحسم مع الملك الأب والتخلص من تداعيات تورطه في فضائح الفساد، لكن علينا ألا ننسى أن اليسار الإسباني بشقيهالاشتراكي والشيوعي كان له دور في الدفاع عن ملكية خوان كارلوس، إذ لعبا دورا محوريا في عودة الديمقراطية والملكيةبعد موت الدكتاتور فرانكو. ورغم بعض الخرجات الإعلامية لبعض قيادات بوديموس واليسار الموحد، يبقى الموقفالرسمي للحكومة داعما للملكية وللملك فيليبي السادس، وربما من حسن حظ الملكية الإسبانية أنها تعيش هذه الأزمةواليسار الإسباني مطوّق بالمسؤوليات الحكومية وبإلزامية دفاعه عن الدولة بداية

بأعلى هرم فيها، ولو أن الوضع كان عكس ذلك وزامنت هذه الأزمة وجود اليسار في المعارضة واليمين في الحكومة، لكانتمواقف اليسار أكثر شراسة وتهجما على الملكية. كما أن هذه الأزمة توافق أزمة الانفصال في كاطالونيا وعودة اليمينالفرانكاوي إلى المشهد السياسي بقوة عبر حزبفوكساليميني المتطرف، ما يجعل من معادلة استقرار الدولةوالتحالف مع الملكية من أولويات اليسار الإسباني، ومناسبة للاستفادة من دروس التاريخ القريب الذي أدى إلى حربأهلية شرسة لازالت آثارها بادية على نفسية العديد من الإسبان. الخلاصة أن تأثير بوديموس في التخلص من شخصخوان كارلوس ـ وليس من الملكية ـ وارد، وأن هذه الأزمة مناسبة قد يستغلها اليسار لترتيب توافق جديد على انتقالديمقراطي ثان، يساهم في حل أزمة الانفصال والذهاب نحو نظام فدرالي أو شبه فدرالي، مقابل الحفاظ على الملكية واردكذلك بقوة، وقد تخرج إسبانيا إذا أحسنت نخبتها من اليمين واليسار تدبير هذه الأزمة أكثر قوة مما كانت عليه. وفي هذايجب الأخذ بعين الاعتبار تداخل مصالح وتحالفات والتزامات داخلية وإقليمية سيكون لها دور في تدبير انتقال هادئوتوافق على تعديلات دستورية أصبحت، بعد ما يزيد من 40 سنة من الديمقراطية، ضرورية لحل العديد من الأزماتوثغرات النظام الجهوي الحالي.

Lسياسيا وحضوريا ورمزيا، أم إن الملكية تنتظرهاسنوات عجاف؟

تقديري أن الشعب الإسباني في أغلبه جمهوري، لكن الملكية حققت استقرارا لم يسبق أن حققته الجمهوريات السابقة،وبالخصوص مع الملك خوان كارلوس، ما يعني أن الملك الحالي أمام تحديات بناء شعبيته والقيام بدور يستمد منه شعبيةتضمن استقرار المُلك والدولة، وهذا لا يعني أن متاعب الملكية ستنتهي مع نهايةالخوانكارلوسية، بقدر ما هي رهينةبقدرة فيليبي السادس على بناء شعبية فيليبية وتدبير الأزمة التي تسبب فيها الملك الأب.

هل تضرر خوان كارلوس من بعض العلاقات الوثيقة، وربما الأخوية، التي جمعته بحكام عرب؟

لم يتضرر الملك خوان كارلوس من علاقاته الوثيقة والأخوية ببعض الحكام العرب أو أغلبهم، بل كان سفيرا فوق العادةلإسبانيا مع هذه الدول، ومعروف أن مجموعة من الملفات والأزمات مع هذه الدول كان للملك خوان كارلوس دور كبير فيحلها، وتسهيل قنوات التواصل والمفاوضات بشأنها، وفي أغلبها كانت لصالح إسبانيا، وغالبا ما كانت الحكوماتالإسبانية المتعاقبة تلجأ إلى علاقاته لحل بعض الأزمات، وفي مقدمتها بعض المشكلات والتوترات التي عرفتها العلاقاتالمغربية الإسبانية، سواء في عهد الملك المغربي الراحل الحسن الثاني أو الملك محمد السادس. الذي حصل هو أن الوضعالخاص والرمزي لملك من حجم خوان كارلوس جعله لمدة طويلة خارج المُساءلة، بالإضافة إلى الحصانة المطلقة التي يتمتعبها بنص الدستور الذي جرى تعديله، خلال حكومة ماريانو راخوي اليمينية، بعدما وصلتها تقارير مقلقة عن ملفات فسادقريبة الانفجار. خوان كارلوس في تقديري كان ضحية نفسه، كما كان الرئيس الفرنسي ساركوزي في علاقته بالقذافي،أو جاك شيراك في علاقاته مع بعض الحكام..

كيف ستكون نهاية خوان كارلوس، مع الأخذ بعين الاعتبار نهاية جده ألفونصو الثالث عشر..

يصعب التنبأ بنهاية الملك خوان كارلوس، ولا مجال للمقارنة بنهاية جده ألفونصو (13) لاختلاف السياق التاريخي لكلواحد منهما، والنهاية الوحيدة المؤكدة هي أنه الآن، هو قربان لإنقاذ المؤسسة الملكية، كما كان والده مع فرانكو، والذي هوالآخر تنازل عن العرش سنة 1977 لصالح ابنه حفاظا على استمرار الملكية في أسرة البوربون. النهاية في حد ذاتهامؤسفة وحزينة لملك من حجم خوان كارلوس. وتقديري أن عودته من المنفى الاختياري غير واردة، على الأقل في الأفقالمنظور.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي