المخرج الركاب: إذا لم تكن تعرف كيف تقدم حكايتك للناس فمن الأفضل أن تكف عن الكلام -حوار

18 سبتمبر 2020 - 10:00

من بين مشاريع الأفلام السينمائية المغربية التي منحها المركز السينمائي المغربي الدعم هذا العام، مشروع فيلم عن الخيال العلمي سيكون من توقيع المخرج يونس الركاب، بتعاون مع شركة الإنتاج «رحاب برود» التي تقدمت بالمشروع، وهي الشركة التي سبق لها إنجاز الشريط الوثائقي الطويل «حياة مجاورة للموت». ستكون التجربة الأولى من نوعها في تاريخ السينما المغربية، والدعم المعلن قليل مقارنة بما يستلزمه إنتاج هذه الفئة من الأفلام. «أخبار اليوم» حاورت المخرج الشاب ابن المخرج الراحل الركاب في هذا الصدد، وكانت التوضيحات التالية.

 

3 ملايين و520 ألف درهم هي قيمة الدعم الذي خصصه المركز السينمائي المغربي لمشروع فيلم الخيال العلمي الطويل «404.01» الذي قدمته شركة «Rihab Prod» في تعاون معك لإخراج هذا العمل صحبة كاتب السيناريو محمد حفيظي. هل ترون هذا الدعم كافيا لإنجاز فيلم ينتمي لهذا الصنف؟ وهل لديكم داعمون آخرون، علما أن الميزانية التي حددتم لإنجازه هي مليار سنيتم وربما أنتم بحاجة إلى ميزانية أكبر؟

بداية نود أن نوجه لكم الشكر ومن خلالكم أيضا لمنبركم الإعلامي على ما تقومون به من متابعة وتحليل رصين لمختلف القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية.

بالنسبة إلى مشروعنا السينمائي «404.01»، فهو يستند إلى فكرة تعود لي شخصيا، واقترحها علي محمد حفيظي لكتابة نص السيناريو، والذي تقدمت به شركة «رحاب برود» للجنة الدعم بالمركز السينمائي المغربي، مصحوبا بميزانية تقديرية، تصل إلى مليار سنتيم، وتوفقنا في الحصول على 3 ملايين و520 ألف درهم، وهي ميزانية متواضعة وإن كانت لا تغطي الثلثين، لكنها محفزة، بالنظر إلى الإكراهات المتعلقة بالغلاف المالي الإجمالي المخصص للدعم، كما عبرت عن ذلك اللجنة في بلاغها المتعلق بنتائج الدورة الأولى من سنة 2020.

ولبلوغ سقف الميزانية التقديرية، فإن شركة الإنتاج أصبحت مطالبة بتوفير ثلثي الميزانية عوض الثلث، كما ينص على ذلك قانون الدعم، وفي هذا السياق، فإنها تعكف على وضع استراتيجيات مختلفة لإعداد الميزانيات المفصلة والخطط المالية، وهي عملية ليست بالتقنية فحسب، بل ترتبط أساسا بالبحث عن موارد أخرى، هي عبارة عن منح من صناديق دولية وعربية، وما يتصل بها من كيفية تقديم الطلبات لمنح تمويل إلى جانب قوة المشروع وأصالة فكرته ومقاربته الإبداعية الإخراجية، وهي عناصر تظل حاضرة في ما يخص طلبات منح الدعم قبل الإنتاج وما بعد الإنتاج، إلى الخطة التسويقية المرتبطة بالتوزيع الدولي والوطني، فضلا عن الإنتاج المشترك، والبحث أيضا عن داعمين محليين. يشتغل على هذه الملفات حاليا المنتج، واضعا في الحسبان مسألة التوزيع، الذي يقوم على مختلف العناصر التي سبق ذكرها. وكما يقال، قبل التفكير في الإنتاج يجب التفكير في التوزيع، ليس في حدود إيجاد موزع دولي، بل بغرض الحصول على تسبيقات التوزيع كمورد لتطوير المشروع، وتندرج في هذا الإطار كذلك صيغة الإنتاج المشترك مع منتجين دوليين وقنوات تلفزيونية أجنبية ووطنية. وهنا يكمن سر تفرد دور المنتج في أي مشروع سينمائي، عبر مختلف مراحل الإنتاج، وضمنها الركيزة الأساسية للإنتاج، وهي عملية إعداد السيناريو وتطويره وتحليل البناء الدرامي والتحضير للإنتاج الإبداعي، في علاقة حوار مع الكاتب والمخرج، حيث وجب التمييز بين المنتج الفني، والمنتج المشارك، والمنتج المساعد والمنتجين المنفذين وممثلي الإنتاج. هي أدوار مختلفة حسب كل ترتيبات مراحل الإنتاج، والهاجس المشترك هو الوصول إلى نتيجة ترضي الجمهور في كل آفاق المعمور، وتضمن للفيلم حياة أطول في الداخل والخارج وحضورا متميزا في المهرجانات الدولية.

وبما أن السيناريو يعد اللبنة الأساسية لنجاح أي مشروع سنيمائي، فإن الكاتب والمخرج والمنتج الفني ينكبون في اللحظة ذاتها على تطويره في إطار حوار تفاعلي، على ضوء الملاحظات التي قدمتها لهم لجنة الدعم، فضلا عن ملاحظاتهم الذاتية، لإغناء نقاط قوة المشروع ومعالجة بعض النواقص، سواء في ما تعلق بتطور البناء الدرامي المنطقي، وتنامي الشخصيات والعلاقة في ما بينها، وما يصدر عنها من أفعال وحوارات تعكس أدوارها بصدقية وتعبر عن ملامحها السيكولوجية والثقافية والمهنية، الخ.

طيب، هل لديكم استراتيجية محددة لتحصيل وتدبير ميزانية العمل كاملة، إذا أخذنا بعين الاعتبار المشاكل التي يعلنها مخرجون مغاربة كثيرون أثناء وبعد عملية إنجاز أفلامهم؟

يرتبط المحدد في تدبير الميزانية بحسم الصيغة النهائية للسيناريو، وإدخال الرتوش الأخيرة، والتي لن تمس طبعا هيكله العام إلا في جوانب صغيرة، بعدها ستدرس التفاصيل التقنية للمشروع، وعلى ضوء ذلك، ستضع شركة الإنتاج دراسة مفصلة للميزانية بتحديد كلفة الدقيقة الواحدة. إن قاسمنا المشترك هو الاشتغال بكيفية منهجية لا مجال فيها للأسلوب العشوائي الترقيعي أو ما يصطلح عليه بـ«البريكولاج»، بما في ذلك اختيار أماكن التصوير، ووقعها سلبا أو إيجابا على الميزانية. تنتمي أماكن تصوير إلى مدينة حديثة، لكنها غير مستهلكة سينمائيا، هذا ما نطمح إليه، لكن المحدد في آخر المطاف لاختياراتنا الفنية هو الميزانية الفعلية والموارد الإضافية المتوقع الحصول عليها. فلكل اختيار جمالي كلفته، لكن ما لا نقبله على أنفسنا هو تحميل كلفة ذلك للتقنيين والفنانين ومقدمي الخدمات، في حال حصول عجز في الميزانية، لا قدر الله، وسيكون ذلك مسيئا لصورة وسمعة شركة الإنتاج بالدرجة الأولى والمخرج بالدرجة الثانية، وهو ما يحتم علينا خوض المغامرة باحترافية وتعقل وتخطيط دقيق يرصد التوقعات ودرجة حجم المخاطر، بالاشتغال وفق ميزانية في حدودها الدنيا، أي قيمة الدعم المحصل عليه من المركز السينمائي، إضافة إلى مساهمة الشركة، أي ثلث المنحة، مع طرح بدائل فنية معقولة لتكييفها مع الموارد المالية، وما يتطلبه ذلك من حرص على الحكامة في تدبيرها في مختلف مراحل الإنتاج، كما تصر «رحاب برود» على ذلك، وإذا شعرنا بأننا عاجزون عن إنجاز المهمة وفق هذه الميزانية، وبأنها سوف لن تضمن لنا جودة العمل، فلن نجازف بأموال الدعم احتراما للثقة التي وضعتها فينا لجنة الدعم والمركز السينمائي المغربي وباقي الشركاء المفترضين، ومع ذلك، فإننا جميعا متفائلون جدا ببلوغ أهدافنا وفق فلسفة العمل التي ذكرتها سابقا، في إطار تفاعل مختلف الإرادات؛ المنتج والمخرج والكاتب.

في اختياركم لأبطال هذا العمل، هل كان هناك «كاستينغ»، أم كتبت الأدوار لشخصيات محددة مسبقا؟

نحن لا نبحث عن نجوم نمطيين، بل عن نجوم ممثلين، لهم القدرة على التكيف مع جميع الأدوار، يقدمون أضافة نوعية للعمل، ويقدم لهم هذا الأخير هم كذلك قيمة معنوية. وإلى حد الساعة هناك أسماء حاضرة في ذهني وفي ذهن المنتج أيضا، لكن لا بد من إجراء عملية الكاستينغ في موعدها، وذلك بعد الحسم النهائي في الصيغة النهائية للسيناريو وإدخال الرتوش الأخيرة، والتي لن تمس هيكله العام إلا في جوانب صغيرة. ويلي ذلك إعداد التفاصيل التقنية والمالية للمشروع. وأؤكد مرة أخرى باسمي وباسم شركة «رحاب برود» أننا لا نريد أن نحمل التقنيين والفنانين مخلفات العجز، فنيا كان أو ماليا. إذا لم تكن تعرف كيف تقدم حكايتك للناس، فمن الأفضل أن تكف عن الكلام. فالجمهور في غنى عن التعذر له بسيل من المبررات؛ كالاختباء وراء الممثلين لتحميلهم مسؤولية ضعف الأداء، أو قلة الإمكانيات، أو أن الخلل كان في السيناريو… وغيره، هذا الكلام لم يعد مقبولا من وجهة نظر احترافية، فإما نكون أو لا نكون، فالمتفرج حين يخرج من القاعة يكون في تمام الرضا أو الرضا النسبي، أو عدم الرضا. يمكن الوصول إلى إنتاج عمل جيد متى عرفنا كيفية استثمار الجهد والوقت والمال بحكمة وتبصر واجتهاد، وفق خطط مدروسة ومحددة الأهداف تحترم قواعد كتابة السيناريو، وطبيعة المعالجة الإخراجية أو الرؤية الفنية، مرورا بآليات الإنتاج المهنية، ثم ضوابط استراتيجية التسويق، وأي خلل في هذه السلسلة ينعكس سلبا بطبيعة الحال على مجمل الأجزاء.

بما أنها ستكون تجربة أولى في تاريخ السينما المغربية، كيف جاءت الفكرة وصياغتها في حكاية سينمائية؟

انطلاقا من تجربتي المتواضعة في فليمي الروائي الطويل «أوراق ميتة»، وكذا بعض أفلامي القصيرة، حاولت دائما طرق موضوعات غير مستهلكة في السينما المغربية، كمرض انفصام الشخصية (Schizophrenia) والقتل الرحيم وغيرها، حيث أميل أكثر إلى البسيكو-درام أكثر من القصة الاجتماعية، وفي هذا السياق بقيت، منذ العام 2010، أحلم بفيلم عن الخيال العلمي، ومنذ ذلك الحين وأنا أقلب الموضوع في ذهني، إلى أن استقررت على فكرة تقوم على تنبؤات تأتي من المستقبل حول المستقبل نفسه، وتتجاوز ما هو معروف في مجال التكنولوجيا الحديثة، حيث يمكن اليوم الحصول على تنبؤات مستقبلية من خلال التواصل مع مساعدك الصوتي عبر سماعات «إير بود» اللاسلكية، التي تنتجها شركة آبل و«بيكسل بادز»، لمعرفة أخبار وتنبؤات الأرصاد الجوية، كما يمكن أن تساعدك بعض التطبيقات الأخرى على معرفة المواقع والأمكنة، وبخلاف أيضا بعض الأعمال السينمائية العالمية كـ«هير» مثلا، فبطل الفيلم تساعده مساعدته الصوتية في إنجاز كم هائل من الأخبار والرسائل، بل توفر له إشباعا عاطفيا. بخلاف ذلك، يتفرد مشروع فيلم «404.01» بمعالجة خاصة، فعنوانه يشير إلى رقم موجة إذاعية، قادمة من المستقبل ستصطاد بطلة الفيلم، وهي طبيبة بالمناسبة، وذلك أثناء محاولة إنقاذها شخصا أصيب في حادثة سير. الإذاعة ولتأكيد أنها موجتها آتية من المستقبل تقدم لها خدمات تمكنها من ربح الكثير من المال ودائما في إطار النبوءة الخارقة. وبعد صراع بين حالتي الشك واليقين، تنصاع ليلى لتوجيهات الإذاعة، لكنها تجد نفسها أحيانا مطالبة بأداء أعمال قذرة تعارض مبادئها المهنية، كحثها على قتل طفل أثناء إجراء عملية جراحية خطيرة له. لتجد نفسها في خضم صراع نفسي وحرب على عدة أصعدة من أجل محاولة الانتصار على الموجة لإبطال كل أعمالها الشريرة، فهل ستنجح في ذلك؟ لنترك تفاصيل القصة إلى أن يحين زمانها.

وبالعودة إلى هذه الموجة الإذاعية، فالمعروف بديهيا في كل بقاع العالم، أن موجات الراديو تعرف بأنها أحد الموجات الكهرومغناطيسية، تنتقل عبر الفضاء وتشكل جزءا من الطيف الكهرومغناطيسي الذي يضم أنواعا أخرى من الموجات، وكلها خاضعة للقياس في المسافة والتردد وغيره، لكننا سنكتشف من خلال مجريات الفيلم أن موجة 404.01 خارج التصنيف وغير خاضعة للقياس، فلا هي من الموجات الطويلة أو المتوسطة أو القصيرة، أو الموجات ذات التردد العالي، أو الفائق العلو، أو الموجات الدقيقة المعروفة عالميا.

ما بين التكهن وسرد قصص الماورائيات والأساطير، أين يتموقع مشروع فيلمكم 404.01؟

طرحنا السؤال على أنفسنا على الشكل التالي: ما الحافز الذي يجعلنا نتبنى مشروع سيناريو «404.1»، قصد تحويله إلى الشاشة الكبرى؟ هل لكون فكرة المشروع تمتح من دراما الخيال العلمي التي باتت تشكل اليوم اتجاها جديدا في عالم الترفيه، وميلا للهروب من الواقع بتعبير سكيب يونغ؟ أم في كون هذا الجنس الدرامي بات منجذبا لمقاربة العوالم المتخيلة باعتماد أساليب فنية وتقنية، تعاود قراءة المستقبل البشري بصورة مباشرة أو رمزية في زمن عصي على الفهم، أقل تفاؤلا وأكثر تهديدا؟

وكان الجواب بأننا نروم التموقع بين الاثنين، أي خلق الفرجة والمتعة، ولكن في حدود ما تسمح به ميزانيتنا، وليس السقوط في تقليد أفلام هوليود في الإبهار واعتماد المؤثرات التقنية البصرية، حتى وإن كانت حاضرة بالنسبة لنا، لكنها لن تغطي على عنصر السرد الحكائي والإيهام بالواقعية، بمعنى سينما تعبر عنا وتعكس انخراطنا في قضايا وأسئلة الراهن، فلا أحد يعرف الأفق الذي يسير نحوه العالم في مجال التطور التكنولوجي، ومن هذا الباب سيحاول الفيلم طرح أسئلة كبرى مفتوحة وقابلة للتأويل، مع الأخذ بعين الاعتبار خضوع المساحة المتعلقة بالخيال العلمي أو المهني العلمي لتصور معقول، ومن أجل ذلك نحاول، ونحن نعد الصيغة الأخيرة للسيناريو، استشارة مختصين في علم فيزياء الفلك والاتصالات وفي المجال الطبي، وفي مجال صناعة السيارات في ما يخص الجانب الإلكتروني.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي