عادل بن حمزة يكتب: القاسم الانتخابي.. حديث ذو شجون!

06 أكتوبر 2020 - 07:00

هناك من يحاول، عن وعي أو دونه، اختصار تعقيدات الحياة السياسية والحزبية في بلادنا في مجرد تقنيات قانونية، يرجى منها في النهاية أن تقوم مقام عمل عميق في طرق وكيفيات بناء السلطة. ويكشف الانشغال المستمر في كل محطة انتخابية بتعديلات على القوانين المنظمة لها، أننا منذ 1962 لم نحسم جدوى الانتخابات نفسها، هل هي مجرد واجهة ديمقراطية أم آلية فعلية لتملك ناصية صناعة القرار؟

من العبث توقع نقاش أخلاقي في التشريعات المنظمة للانتخابات خارج التوافقات الكبرى في المحطات التاريخية المفصلية، التي لا تنطبق، على كل حال، على السياق الحالي، لذلك، فكل رأي أو تقدير للقوانين الانتخابية في المرحلة الراهنة، لا يعبر سوى عن تقدير سياسي خاضع لمنطق الربح والخسارة، فكل حزب يبحث عن الآلية التي تساعده أكثر على تحقيق نتائج أفضل، إذ إن الثقافة التنظيمية داخل كل حزب وطبيعة تمثله للسوسيولوجيا الانتخابية تتحكمان بشكل واضح في منظومة القوانين والقواعد الانتخابية التي ستحكم الانتخابات المقبلة، لكن ذلك لا ينفي أيضا، وهو أمر لا يخطئه الحدس السليم، أن هناك رغبة في استباق نتائج الانتخابات المقبلة، بشكل لا يسمح لحزب العدالة والتنمية بتصدر المشهد الانتخابي والسياسي للمرة الثالثة على التوالي، وهي نتيجة تزعج بعض أعضاء الحزب، ربما، أكثر حتى من خصومه، وذلك لأن حزب العدالة والتنمية أضحى أسيرا للعبة الانتخابية وتفوقه فيها على مدى سنوات، لكن دون أن يحدث ذلك أي تحول نوعي قابل للرصد في السياسات العمومية في مجالات مختلفة، أو في ما يخص الحريات والحقوق، خاصة في ما يتعلق بتوسيع الهامش الديمقراطي، لذلك لم تجرِ انتخابات على خلفية محاسبة وتقييم أداء حزب العدالة والتنمية، بل كل الانتخابات كانت مجالا للاستثمار في المظلومية التي غُذِّيت عدة سنوات، بشكل يوطن شعورا سلبيا لدى الآلاف من منخرطي وأعضاء العدالة والتنمية، يشكك في حقيقة ما تحقق في المغرب على مدى سنوات، وينتج خطابا عدائيا لكل من يترصد أخطاء الحزب، وهو أمر سلبي ليس في مصلحة الحزب ولا البلاد، لذلك، يمكن القول إن كثيرا من الزمن الانتخابي والسياسي أهدِر دون نتيجة في عمليات انتخابية لم تعمل سوى على إذكاء نوع من التحريض والتحريض المضاد في ظروف كانت فيها البلاد تجتاز ظروفا صعبة.

يأتي النقاش حول القاسم الانتخابي في ظل السياق الذي ذكرت، وهو نقاش يناقض الكلام السابق عن عقلنة المشهد الانتخابي، والكلام الذي قيل خاصة منذ سنة 2009 عن أهمية خلق أقطاب سياسية وحزبية بدل البلقنة التي شكلت لسنوات علامة بارزة سواء في مجلس النواب أو في المجالس الترابية. هذا التوجه هو الذي يعزز الشعور بأن الأمر لا يتعلق بنقاش قناعات، بل مجرد مصالح قد تتغير بين لحظة وأخرى، وقد تعودنا على أن الكثير من مقتضيات القوانين المنظمة للانتخابات، إنما هي نصوص جرى لي أعناقها وفقدت هويتها الأصلية. مثال ذلك نمط الاقتراع اللائحي، الذي تحول عمليا وواقعيا إلى نمط اقتراع فردي مقنع باللائحي، سواء في الانتخابات التشريعية أو الانتخابات الجماعية.

الحاجة اليوم ماسة إلى حوار وطني شامل للجواب عن سؤال وحيد هو: كيف يجب أن يكون المغرب غدا في مواجهة تحديات كبيرة وتحولات عميقة يعرفها العالم، خاصة تداعيات جائحة كورونا وما تحتاج إليه من تغييرات هيكلية قد تتوقف على الجوانب الاقتصادية، بل قد تشمل أيضا الجوانب السياسية وما تحتاج إليه من عقلنة؟ الجواب عن هذا السؤال يتطلب من الجميع مراجعات حقيقية، بعيدا عن الحسابات الصغيرة أو تضخم الأنا…

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي