وجه المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لمجلس النواب رأيا استشاريا حول مشروع القانون المتعلق بـ»الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها» تضمن عدة ملاحظات على صلاحيات الهيئة خاصة منها ما يتعلق بالبحث والتحري في جرائم الفساد المالي.. في هذا الحوار يرد بشير الراشدي، رئيس الهيئة على ملاحظات المجلس..
بطلب من مجلس النواب قدم المجلس الأعلى للسلطة القضائية رأيا استشاريا يتعلق بصلاحيات «الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها»، تضمن اعتراضات على بعض بنود مشروع القانون المتعلق بها، ومن ذلك تحفظه على إجراء الهيئة «أبحاثا وتحريات إذا تعلق الأمر بمخالفة مالية أو إدارية ولو سبق أن قررت النيابة العامة الحفظ بشأنها»، واعتبر المجلس أن إعادة فتح ملفات سبق أن بت فيها القضاء «يتعارض مع الدستور والقانون.. ما رأيك؟
إن المشروع لا يتجه إلى فتح ملفات سبق أن بت فيها القضاء. لذلك أعتقد أن هذا الأمر واضح في المشروع القانون. وإذا كان ضروريا أن يجري التدقيق في هذه المسألة أكثر، فلا بأس لرفع أي لبس، لأنه لا خلاف حول هذه النقطة. وهذا أمر يعود إلى السادة النواب بما أن المشروع يوجد حاليا لدى لجنة العدل والتشريع.
انتقد المجلس، أيضا، ما تضمنه مشروع القانون من سماح للهيئة بأن تطلب تعميق البحث من قبل أي جهة، وهو ما قال المجلس إنه يشمل أبحاث «الشرطة القضائية والنيابة العامة»، وبالتالي اعتبر هذا النص «غير دستوري»، لأن الدستور يعطي للنيابة العامة وقاضي التحقيق وحدهما حق تكليف الشرطة بإجراء البحث. ما ردك؟
هذا غير مطروح أيضا، فعندما تهيئ الهيئة الملف وتصادق على الإحالة على القضاء، على أساس محاضرها، فإن النيابة العامة، تحتفظ بصلاحياتها الأصلية لتكميل البحث إذا ارتأت ذلك.
هل تحتاج هذه الصيغة أيضا إلى تدقيق؟
لا أظن ذلك، ولكن المشروع في هذه النقطة واضح، ولا يوجد تداخل.
ولكن في النص إشارة إلى أن الهيئة يمكنها أن تطلب تعميق البحث من أي جهة..
بدون الدخول في مناقشة تفصيلية، فإن البحث يتم عندما تحيل الهيئة الملف على القضاء، ولن تطلب الهيئة من الشرطة القضائية أن تقوم بالبحث.
من الملاحظات التي سجلها المجلس، ما يتعلق بتكليف رئيس الهيئة لأحد مأموري الهيئة بالتدخل فورا لمعاينة حالة من حالات الفساد وتحرير محضر بذلك، حيث اعتبر المجلس أن رئيس الهيئة يعد «جهة إدارية ولا يعقل أن يسخر المأمور لضبط حالة التلبس بالجريمة، «دون إشعار النيابة»..
لا بد من الإشارة إلى أن القانون السابق للهيئة، والذي كان يفترض أن يحدث الهيئة، تضمن هذا المقتضى وهو أمر ليس جديدا ولا يثير إشكالا. ومن جهة أخرى، من الطبيعي أن المأمورين تابعون للهيئة، وكل القضايا التي تصل إلى علم الهيئة من حقها البحث فيها. ولما تكون هناك حالة استعجال، فلكي تحيل الملف على النيابة العامة، فإن على الرئيس أن يعين مأمورا ليحرر محضرا يحيله على النيابة العامة.
لكن ماذا عن ضرورة إشعار النيابة العامة؟
لا يمكن أن يكون من مهام الهيئة طلب ترخيص من النيابة العامة وهذه النقطة كانت محور نقاش معها، وكان الموقف واضحا بأنه لا ضرورة لإشعار النيابة العامة بالمهام التي تقوم بها الهيئة، لأنه على كل حال سيصل الملف في النهاية إليها.
فهناك مبادئ تنظم عمل الهيئة، وهي الاستقلالية وممارسة صلاحيات البحث والتحري، وأن يكون هناك تكامل مؤسساتي، للوصول إلى هدف أساسي هو تقليص فعلي للفساد في البلاد.
وماذا بخصوص تلقي رئيس الهيئة للتبليغات والأبحاث وإجراء التحريات، فقد لاحظ المجلس أن ذلك يظهر كأن باقي الأعضاء في الهيئة لهم مجرد دور استشاري وأن ذلك يجرد الهيئة من صلاحياتها ويتعارض مع الدستور الذي ينص على الهيئة كمؤسسة»؟
هذه النقطة تدخل في صلب النقط الأساسية في المشروع، وتتعلق بعمليات فتح البحث التي ستكون مستمرة. وهنا لا بد من التوضيح بأن الرئيس لا يتخذ قرار فتح البحث، وإنما هناك لجنة مكلفة بالبت في الملفات، كما أن مسألة استقلالية جهاز البحث والتحري عن الجهاز التداولي، أمر جاري به العمل في جميع المؤسسات، مثل مجلس المنافسة.
ألا تخشون أن يخلق هذا الرأي الاستشاري ارتباكا لدى أعضاء لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، ويؤخر المصادقة على المشروع؟
أظن أن هناك مسؤولية مؤسساتية، ورأي المجلس الأعلى للسلطة القضائية محترم، علما أن المجلس سبق أن أدلى برأيه خلال مسطرة إعداد الحكومة للمشروع قانون المتعلق بالهيئة، وأن الصيغة النهائية كانت صيغة توافقية. وكل هذه الملاحظات سبق أن نوقشت وجرى تجاوزها وليست جديدة.
ومن الناحية الدستورية لا يوجد في النص أي مقتضى يتعارض مع الدستور. وإذا عدنا إلى النص الدستوري نجده ينص على أن محاربة الرشوة من مهام الهيئة، ولهذا سميت الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة. كما أن الفصل 36 من المشروع قانون المحدث للهيئة يتحدث عن جرائم الفساد والمخالفات الإدارية والمالية، إذن فالبحث والتحري هو من صلاحيات الهيئة، كما أن الدستور نص على استقلالية الهيئة، وقد صادقت الحكومة على هذا النص وأخذت بعين الاعتبار هدف الارتقاء بالهيئة من حيث النص، ومن حيث الروح.
هل تتوقع الإسراع بالمصادقة على المشروع، في انتظار إحالته على مجلس المستشارين؟
نحن نشتغل على هذا الأساس. لقد تطلب الأمر من الحكومة وقتا كبيرا لإعداد النص، استمر لأزيد من 22 شهرا لوضع مشروع مطابق للتوجيهات الملكية ولتوجهات الدستور، ولاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد. إذن، جرى أخذ وقت كاف لتحصل قناعة مشتركة لوضع نص يحدث هيئة بصلاحيات حقيقية وذات مصداقية لكي تقوم بدورها، والنقاش الذي جرى في مجلس النواب كان بناءً وفي العمق، سواء من جانب البرلمانيين أو من طرف وزير المالية الذي قدم المشروع أمام لجنة العدل والتشريع، والذي وضح المسار الذي قطعه المشروع، والمشاورات التي عرفها بمشاركة المجلس الأعلى للسلطة القضائية والنيابة العامة، بحيث جرى التوصل إلى نص متوافق عليه، لكي يكون هناك عمل في إطار تكامل مؤسساتي، يعطي دينامية لمكافحة الفساد. وهناك دائما استعداد لتقوية الضمانات مع الحفاظ على صلاحيات الهيئة.
ماذا عن التجارب الدولية المقارنة، وكيف تتعامل الهيئات المماثلة مع موضوع البحث والتحري في ملفات الفساد، وكيف تتكامل مع السلطة القضائية؟
هناك تجارب دولية جد متقدمة في هذا المجال، وقد نشرنا دراسة مقارنة بهذا الشأن توضح كيف تشتغل الهيئات المماثلة في مجال محاربة الرشوة.