بايدن والمغرب.. التغيير حتمي والتأثير محدود في السياسة الخارجية الأمريكية

15 نوفمبر 2020 - 17:00

مع وصول جو بايدن إلى الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، تتجه أعين المراقبين إلى التغيرات التي قد تطرأ على السياسة الخارجية الأمريكية، خصوصا تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لعل أبرز دواعي الترقب تلك، أن فترة الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، تميزت بدرجة عالية من الفوضى في العلاقات، صارت معه أمريكا أقل التزاما تجاه حلفائها، وأكثر برغماتية في التعامل حتى مع خصومها، ما أربك الصديق والعدو على السواء، ودفع الحلفاء الأقربين مثل دول الخليج وتركيا وأوروبا إلى التحرك، أحيانا، على غير هدى واشنطن في كثير من الملفات الساخنة.

الاعتقاد السائد أن سياسات بايدن قد تسعى إلى إعادة توكيد وترسيخ القيم التقليدية الأمريكية، خصوصا الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية من المنظور الأمريكي ومصالحه طبعا، وقد يندفع بايدن وإدارته نحو تجديد الدعم للديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بعدما دهسها ترامب وإدارته، لكن السؤال الجوهري اليوم هو: هل لازالت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تمثل أولوية في سياسات أمريكا؟ وما المتوقع من الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه منطقة شمال إفريقيا عموما، والمغرب خصوصا؟

مرتبة رابعة بعيدة

من المعلوم أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لم تشكل أولوية قصوى في سياسات الإدارة الديمقراطية برئاسة باراك أوباما (2008-2016)، الذي بلور استراتيجية للأمن القومي جعلت من منطقة جنوب شرق آسيا مركز الاهتمام الاستراتيجي الأمريكي، بهاجس محاصرة الصين ومواجهتها، كونها التهديد الأبرز لبقاء القوة الأمريكية في موقع القيادة العالمية، بما تقتضيه من تكاليف وما تمنحه من امتيازات بفعل السيطرة، بينما تراجعت منطقة الشرق الأوسط إلى مرتبة أدنى في سلم الأولويات الأمريكي. اليوم، لا يبدو أن جو بايدن، سيتخلى عن عقيدة أوباما وسياساته، لذلك تبدو توقعات مركز “كارنيغي” للسلام أقرب إلى المتوقع والمنتظر، إذ نقلت عن مستشار في حملته الانتخابية قوله إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد تتراجع إلى الأولوية الرابعة خلف كل من أوروبا، ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأمريكا اللاتينية.

لكن لا يعني ذلك أن أمريكا قد تنسحب تماما من هذه المنطقة، وتتركها فريسة للقوى الدولية مثل الصين وروسيا، والإقليمية مثل تركيا وإيران وإسرائيل. الراجح وفق المراقبين أن تنهج أمريكا مقاربة أوباما المتمثلة في “القيادة من الخلف”، خصوصا من خلال حلفائها الأقربين مثل تركيا وإسرائيل والسعودية. وهو التوجه الذي قد تنهجه إدارة بايدن مرة أخرى، مع الحرص على التوازن في سياساتها بين تعزيز تحالفاتها التقليدية حتى مع الأنظمة السلطوية مثل السعودية والإمارات ومصر، وفي الوقت عينه تجديد الدعم للتوجهات الديمقراطية في المنطقة، وهو التوازن الذي تريد من خلاله أن لا يفقدها حلفاءها، ولا يجعلها في صدام مع القيم التي تزعم الدفاع عنها، وهي معادلة صعبة سيظهر مع الوقت كيف سيجيب عنها الرئيس المنتخب جو بايدن.

في هذا السياق، قد يلجأ بايدن إلى تعديل في أولوياته، فهو لن يمضي بعيدا في خنق حلفاء أمريكا مثلا، كالسعودية والإمارات ومصر، وفي الوقت عينه قد يغير مركز اهتمامه نحو منطقة شمال إفريقيا. لماذا؟ بحسب مركز كارنيغي قد تشكل شمال إفريقيا نقطة جذب لإدارة بايدن، خصوصا الجزء الغربي من تلك المنطقة، الذي يشمل المغرب والجزائر وتونس، كون تونس تعتبر بلدا ديمقراطيا، ولكون المغرب والجزائر تحرصان على الشكليات الديمقراطية، خصوصا الانتخابات والتعددية الحزبية، وهي المنطقة التي تشكل، حسب المركز، “المكان الأمثل كي يفي بايدن بالتزامه تجديد الدعم الأمريكي للأنظمة الديمقراطية، والانخراط في الدبلوماسية من الأسفل إلى الأعلى، وكذلك من الأعلى نحو الأسفل.

 ففي تلك المنطقة، تقول سارة يركيس في مقالة بعنوان: “فرصة في شمال إفريقيا”، يستطيع بايدن إعطاء الأولوية للعلاقات مع البلدان التي تتشارك القيم الأمريكية، مقدما إياها على الأنظمة الاستبدادية في العالم، ومن هذه البلدان تونس التي تُعتبَر الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي؛ ويمكنه أيضا دعم المجموعات والأفراد الذين يعملون من أجل الإصلاح الديمقراطي في المغرب الذي يضم مجتمعا مدنيا نشيطا وتربطه صداقة راسخة بالولايات المتحدة، وكذلك في الجزائر التي تشهد إصلاحات سياسية واقتصادية واسعة. وتضيف “من شأن كل من هذه الدول أن يمنح إدارة بايدن فرصة منخفضة التكلفة لإعادة توكيد القيادة الأمريكية، والتحوّل نحو سياسة خارجية أكثر استنادا إلى القيم، وتحقيق المصالح الاستراتيجية الأمريكية الأساسية، ومنها التصدي لصعود خصوم مثل روسيا والصين”.

خلال مرحلة الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، تجاهلت الإدارة الأمريكية منطقة شمال إفريقيا، اللهم استمرار التعاون الأمني والعسكري بين المؤسسات الأمنية والعسكرية الأمريكية ونظيرتها في المغرب وتونس أساسا. لم يكن ترامب رجل سياسة، بل رجل صفقات، ولم يكن في منطقة شمال إفريقيا شيء يمكن أن يكون موضوعا لصفقات تعزز مصالح أمريكا وشرعية ترامب.

أما بايدن، فهو شخص مختلف، رجل سياسة بامتياز، تربى في أحضان المؤسسة (الاستبلشمنت)، والغالب أنه سيكون وفيا لها، كما أنه مشهود له بالاطلاع على الملفات في المنطقة خبير بها، وهو الذي قضى نحو ثلاثة عقود في لجنة الخارجية بالكونغرس، كما عمل نائبا للرئيس السابق، باراك أوباما، وهو الموقع الذي جعله على اطلاع بشؤون المنطقة في أصعب مرحلة تاريخية تميزت باندلاع ثورات الربيع العربي بما كان لها من تداعيات، بعضها إيجابي نقل بلدا مثل تونس من السلطوية إلى الديمقراطية ويمكن أن يكون نموذجا للاقتداء والتسويق، في حين كان بعضها سلبي كما تشهد على ذلك تجارب ليبيا واليمن وسوريا، وغيرها من الدول التي سقطت في الفوضى وعدم الاستقرار.

لذلك يعول حقوقيون ونشطاء في المجتمع المدني على الرئيس بايدن كي يكون سندا للحراك الديمقراطي، أو على الأقل إلجام النظم السلطوية في الخليج ومصر من تعميم النموذج الذي تمثله في المنطقة، لعل الشعوب التي سقطت في أتون الفوضى تتغلب على صراعاتها من أجل إعادة ترميم التشققات التي وقعت بفعل التدخلات الإقليمية والدولية، في أكثر من بلد عربي.

وبحسب الحقوقي، عزيز إدامين، فإذا كان ترامب جعل “حقوق الإنسان في ذيل أجندته والأجندة الدولية”، فإن المرحلة المقبلة قد تشهد العودة إلى المقاربة الأمريكية الكلاسيكية، وهي تصدير النموذج الديمقراطي والحقوقي، خاصة وأن الحزب الديمقراطي يبني هويته على ورقة الحقوق والحريات، وبالتالي، ستعود ورقة حقوق الإنسان للتربع على أجندة الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا على العلاقات الدولية”. وأضاف إدامين أن “المدافعين عن حقوق الإنسان سيكونون في قلب هذه السياسات الحقوقية الجديدة، ما يعطي أمل الترافع والضغط على الدول لاحترام تعهداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان”.

ما يبعث على هذا التوقع، بحسب كارنيغي، أن المقاربة الأمريكية في التعاطي مع شمال إفريقيا متجذرة في الأهمية الجيوــ استراتيجية للمنطقة التي ترتبط بالشرق الأوسط وإفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا. خلال الحرب الباردة، طبع الصراع الأمريكي الأوسع نطاقا مع الاتحاد السوفياتي انخراط الولايات المتحدة مع شمال إفريقيا. وبعد “هجمات سبتمبر”، انصب الاهتمام الأمريكي بصورة أساسية على الحرب العالمية على الإرهاب في الشرق الأوسط وخارجه. وبعد الربيع العربي، دُفِعت واشنطن نحو تقديم دعم أكبر للإصلاح الديمقراطي في المنطقة، علما أن ذلك الدعم لم يُعمّر طويلا، إلا في حالة تونس.

واليوم، تركز المصالح الأمريكية إلى حد كبير على حفظ الاستقرار من أجل كبح الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، والتصدي للمجموعات المتطرفة العنيفة مثل الدولة الإسلامية والقاعدة، والحد من التدخل الصيني والروسي في المنطقة بعد توسّعه خلال العام المنصرم. وهي رهانات دفعت الباحث في مركز التعاون الدولي في جامعة نيويورك، جيمس تروب، إلى توقع مختلف، إذ يرى في مقالة نشرتها له مجلة “فورين بوليسي”، أن جو بايدن إن أصبح رئيسا، “فسوف يُحقق حلم العديد من أسلافه، في أن يولي هذه المنطقة (الشرق الأوسط) اهتماما أكثر مما تستحقه”.

بيد أن أمريكا لا تنتهج استراتيجية واحدة في شمال إفريقيا. ففي الجزائر، يبدو الانخراط الأمريكي محدود جدا بسبب حنين النخب الجزائرية للتحالف مع روسيا والصين وفرنسا، ورغم أن العلاقة التجارية بين البلدين في ازدياد، ولا سيما في قطاع المواد الهيدروكربونية، التزمت الولايات المتحدة الصمت خلال احتجاجات الحراك الشعبي. وتبذل أمريكا جهودا لاحتضان تونس، كونها من الدول الأكثر تلقيا للمساعدات الاقتصادية والأمنية الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد حافظت الولايات المتحدة على دعم ثابت نسبيا للانتقال الديمقراطي في البلاد خلال العقد المنصرم، رغم التحرشات الفرنسية والخليجية بالنموذج الذي تمثله اليوم في المنطقة. أما المغرب، فهو حليف أساسي للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ 2004.

وتبدو العلاقات العسكرية والأمنية بين أمريكا والمغرب أكثر قوة، كما تدل على ذلك اتفاقية خارطة الطريق بين 2020 و2030 في المجال العسكري والأمني. علاوة على المساعدات الأمنية والعسكرية، تركز المساعدات الأمريكية، كذلك، على التنمية الاقتصادية، سواء من خلال اتفاق التبادل الحر منذ 2006، أو الاتفاقين الموقعين بين الحكومة ومؤسسة تحدي الألفية بقيمة 750 مليونا و450 مليون دولار على التوالي.

ترسيخ أكثر للعلاقات

 بالرغم من العلاقات الوثيقة بين المغرب وأمريكا على أكثر من صعيد، بشكل تبدو معه تلك العلاقات محصنة من أي تقلبات سياسية نتيجة التنافس بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلا أن الانتخابات الأمريكية الأخيرة خلفت جدلا واسعا حول ما إذا كانت العلاقات المغربية الأمريكية قد تتأثر بوصول رئيس ديمقراطي إلى البيت الأبيض.

 ما يبعث على ذلك هو أن فترة حكم الديمقراطيين في ولاية باراك أوباما عرفت توترات بسبب دفع الإدارة الديمقراطية نحو توسيع صلاحيات المينورسو في الصحراء لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وهي المقاربة التي رفضها المغرب بشدة، وأدى ذلك إلى توتر في العلاقات بين البلدين، لم يهدئ منه سوى انحياز المؤسسة العسكرية (البنتاغون) للموقف المغربي، على اعتبار موقع الأخير كحليف لأمريكا، وقد توج ذلك بقاء القمة الذي جمع الملك محمد السادس والرئيس باراك أوباما في نونبر 2013، أكد خلاله أن المخطط المغربي للحكم الذاتي بالصحراء “جدي وواقعي وذو مصداقية”، ويمثل “مقاربة ممكنة من شأنها تلبية تطلعات ساكنة الصحراء إلى تدبير شؤونها الخاصة في إطار من السلم والكرامة”.

 من المفترض أن لا يحيد جو بايدن عن هذا التوجه، بحيث لا يكون سببا في تكرار التوتر عينه، لكن سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة فاس، يرى أنه “علينا الانتظار حتى يشكل الرئيس القادم فريقه لنقدر حجم تغيّر السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المغرب”، وتابع الصديقي قائلا: “بالإضافة إلى الرئيس، فإن الشخصيات التي تتولى بعض المناصب المهمة، عادة ما يكون لها تأثير على توجهات السياسة الخارجية، مثل نائب الرئيس، ووزير الخارجية، ومستشار الأمن القومي، ومستشاري الرئيس في السياسة الدولية”.

 في الواقع، يظهر أن الفريق المرشح للعمل في إدارة الرئيس بايدن متنوع للغاية، سياسيا وإيديولوجيا، وإذا كانت المؤشرات ضعيفة حول من سيرأس وزارة الخارجية ووزارة الدفاع، فإن الأنظار تشير إلى بعض الأسماء التي اشتغلت في إدارة الرئيس باراك أوباما، أمثال سوزان رايس التي عملت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة التي يتوقع أن تشغل مساعدة الأمن القومي للرئيس بايدن، كما تشير الأصابع إلى ميشيل فلورنوي التي عملت نائبة لوزير الدفاع السابق، وكلاهما من الصقور في الحزب الديمقراطي. لكن من المرجح أن لا تكون سياساتهم بعيدة عن الخبرة والمهنية، كما أن فرض أجنداتهم تتعلق أيضا بموقف الدول في المنطقة، وخصوصا التحالف القائم حاليا بين السعودية ومصر والإمارات وإسرائيل، الذي قد لا ينصاع بسهولة، وهي الرسالة التي تلقاها بايدن بدون شك حين تأخرت السعودية وإسرائيل وتركيا في تهنئته بفوزه في الانتخابات.

لذلك يستبعد الصديقي أن يكون هناك أي تغيير مهم وجوهري في السياسة الخارجية للرئيس المنتخب جو بايدن، ورجح أن ينشغل أكثر بالملفات الداخلية لبلاده، على الأقل خلال السنوات الأولى من حكمه، وهو أمر واضح من خلال تصريحاته الأخيرة بعد إعلانه رئيسا منتخبا من قبل المؤسسة الإعلامية الأمريكية، إذا أعلن رغبته في إعادة طرح ملف التغطية الصحية لكل الأمريكيين، وتشكيل فريق عمل لمواجهة آثار فيروس كورونا الذي قتل نحو 200 ألف من الأمريكيين، ومعالجة آثار الانقسام السياسي بين الحزبين، وبين مكونات المجتمع الأمريكي، الذي تعاني فيه الأقليات مثل السود والنساء والمهاجرين من التمييز والعنصرية المتصاعدة بفعل المد اليميني الشعبوي المتطرف.

لكن، وكما سبقت الإشارة في مقالة مركز “كارنيغي”، فإن بايدن وإدارته الديمقراطية قد يمارسون أشكالا مختلفة من الضغوط في ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية، إذ تمنح تقارير حقوق الإنسان الأممية وتلك الصادرة عن منظمات دولية غير حكومية، مثل البريطانية منظمة العفو الدولية والأمريكية هيومن رايتس ووتش حول المغرب مادة دسمة، قد تستغل من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان من داخل المغرب ومن خارجه، وبدعم من إدارة بايدن، لإحراجه أكثر في السنوات الأربع المقبلة، وخصوصا الملفات التي تتعلق باعتقال الصحافيين والتضييق على المدافعين عن حقوق الإنسان.

 طبعا، من المتوقع أن تستفيد الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في المنطقة، مثل حزب النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب، من وصول بايدن إلى السلطة، وهي التي عانت كثيرا خلال مرحلة ترامب الذي تجاهل الانتهاكات وسياسات تجفيف منابع الإسلاميين في مصر وغيرها، مثلما تجاهل سياسات قوى إقليمية للتخلص من تجربة النهضة التونسية في الحكم، ويرى مراقبون أن وصول بايدن قد يعطي بعض الأمل لهذه الأحزاب للتحرك أكثر من أجل الديمقراطية في السنوات الأربع المقبلة، وإن بطريقة لا تخل من برغماتية حزبية أحيانا.

 بالمقابل، فإن مجيء بايدن ورحيل ترامب قد يجنب المغرب الخضوع للابتزاز والضغوط التي كانت متوقعة بخصوص التطبيع مع إسرائيل، وإن كانت بعض التحليلات تقول إن العلاقات المغربية اليهودية لا تحتاج إلى تطبيع رسمي قد يتسبب في رفض شعبي قد يُضعف من شرعية الملكية باعتبارها مستأمنة على القدس وفلسطين في سياستها الخارجية، خصوصا وأن السنوات المقبلة يتوقع أن تكون صعبة اجتماعيا واقتصاديا، بسبب جائحة كورونا، وقد يؤدي ذلك إلى احتجاجات شعبية قد تتسع أو تضيق بحسب الشرارات المتوفرة في كل لحظة، والتي قد يكون منها قرار سياسي بالتطبيع كما فعلت دول عربية أخرى.

لذلك، يرى بعض المراقبين أن إسرائيل لن تكون في حاجة إلى التطبيع مع المغرب رسميا خلال فترة بايدن في الرئاسة، لعدة أسباب منها أن المغرب قد يتحفظ على أي علاقات مباشرة مع إسرائيل في الوقت الحالي، بداعي تجنب أي ضغط شعبي في ظل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة، ومنها كذلك أن الإمارات قد تكون الغطاء المناسب لإسرائيل للعمل مع الدول العربية التي تقبل بذلك، ومنها المغرب، الذي تربطه علاقات وثيقة بالمنظمات اليهودية المغربية في العالم، ومنها منظمات نشيطة في دعم إسرائيل، كما تربطه علاقات وثيقة بالإمارات التي تعد أول دولة عربية فتحت لها قنصلية في الصحراء المغربية، ما يجعلها تطل على فضاءين استراتيجيين: فضاء الساحل والصحراء، وفضاء المحيط الأطلسي.

وإذا كان من المرجح أن يدافع بايدن عن رؤية الحزب الديمقراطي بخصوص حل الدولتين في فلسطين، فإن ذلك قد يشكل فرصة أخرى للعمل المشترك مع المغرب، الذي يتبنى الطرح نفسه، دولة فلسطينية قائمة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو تقارب قد يسعف المغرب في تعزيز دوره أكثر في المنطقة العربية، سواء في ليبيا أو فلسطين أو اليمن أو في منطقة الساحل والصحراء.

أما على مستوى العلاقات الاقتصادية والتنموية، يرجح رشيد أوراز، باحث رئيسي في المعهد المغربي لتحليل السياسات، أنه إذا كان ترامب رئيسا فوضويا وحمائيا، حيث قام بخلخلة العلاقات التجارية الدولية، مؤثرا بذلك على الاقتصادات العالمية، فإنه من المتوقع من الرئيس المنتخب جو بايدن، أن لا يقدم إضافة كبيرة، وأضاف “أظن أن الأربع السنوات المقبلة من ولايته بالكاد ستكون كافية لترميم الأعطاب والخسائر التي خلفتها إدارة ترامب الفوضوية، والتي حولت العلاقات بين الدول من علاقات في إطار مؤسسات إلى علاقات شخصية، وهذا ما أربك العالم، وأثّر كثيرا على عدد كبير من القضايا؛ منها ما يخص قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.

وعليه، فالأثر المتوقع في العلاقات الاقتصادية سيكون محدودا، ويرد أوراز ذلك إلى حجم الاقتصاد المغربي مقارنة بالاقتصاد الأمريكي الضخم، والأكثر حجما من حيث الدخل الفردي عالميا، علاوة على أن المغرب لديه أفضلية تجارية للتعامل مع الدول الأوروبية، وهي أيضا بلدان غنية ومتطورة، وهذا يجعل أمريكا تأتي في القائمة بعد بلدان أوروبية متطورة، والطبيعي ألا يكون الجميع في المرتبة الأولى، إلى جانب الدور الذي يلعبه القرب الجغرافي، علما أن الأوروبيين هم الشركاء الاقتصاديون للمغرب بالدرجة الأولى، ورغم ذلك، فأمريكا لديها علاقات تجارية تتقوى تدريجيا مع المغرب. ويتوقع أوراز أن تتعزز العلاقة أكثر بين البلدين، لأنه ليس هناك ما يدفع إلى قول العكس، خصوصا وأنه ليس هناك إكراهات كبيرة قد تدفع الإدارة الأمريكية الجديدة إلى الضغط على المغرب، أو حتى أن تفكر في منحه أفضلية ما. ففي نظر أوراز ليس المغرب بتلك القوة الاقتصادية المؤثرة في المنطقة، وغير معني بشكل مباشر بالصراع في الشرق الأوسط، لكن قد تحرص الإدارة الأمريكية الجديدة على توكيد توجهاتها الديمقراطية من حين لآخر، في الملفات التي تتعلق بحقوق الإنسان خاصة.

المغرب حليفا للدولة الأمريكية

من الوارد ألا تتأثر العلاقات المغربية الأمريكية بالإدارة الجديدة، حتى لو حاولت استعمال ملف حقوق الإنسان في موضوع قضية الصحراء المغربية، كما فعلت إدارة أوباما سنة 2013، لسبب جوهري وهو أن المغرب اليوم يشكل واحدا من أقوى الحلفاء للولايات المتحدة في شمال إفريقيا، وربما في غرب إفريقيا كذلك، وفي ملفات عديدة ذات طبيعة أمنية وعسكرية أساسا، ما يجعله حليفا موثوقا به لدى أقوى المؤسسات الأمريكية، أي المؤسسة الاستخباراتية والمؤسسة العسكرية، وهذا معناه أن المغرب حليف للدولة الأمريكية، وعلاقته فوق الأحزاب التي تتنافس على كرسي البيت الأبيض، ولعل حاجة أمريكا في المستقبل إليه تعادل حاجته إليها، في ظل التنافس الصيني الأمريكي المتصاعد حول النفوذ والقوة والموارد في العالم، ذلك التنافس الذي يمنح للدول الإقليمية فرصا للمناورة والدفاع عن مصالحها ووجهات نظرها، كلما تطلب السياق والموضوع ذلك.

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي