مصطفى السحيمي يكتب: المغرب وإسرائيل.. تطبيع عنقودي

27 ديسمبر 2020 - 19:00

لاشك أننا نحتاج إلى مسافة كافية من أجل تقييم طبيعة وأبعاد تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرباط. فآثار هذا الحدث تبدو كبيرة من الآن، وستكون أخرى أكبر في وقت لاحق. فبالنسبة إلى إسرائيل، يتعلّق الأمر باستمرار لسياسة تعتمد اتفاقيات السلام، بدأت مع مصر عام 1979 ثم مع الأردن سنة 1994، ثم بعد ذلك اعترافات ثلاث دول عربية في إطار ما يسمى بـ »اتفاقية إبراهيم » التي جرى توقيعها تحت إشراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهي كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان. دول أخرى سوف تلتحق، وهي سلطنة عمان في انتظار تونس، وبشكل خاص، المملكة العربية السعودية.

أما بالنسبة إلى المغرب، فيتم الحديث على الصعيد الرسمي عن « إعادة العمل » بالعلاقات التي كانت قائمة مع الدولة العبرية. وزير الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة أوضح ذلك عندما تحدث عن أن العلاقات بين المغرب وإسرائيل كانت أصلا « طبيعية »، باستثناء أنها كانت تتم بالاكتفاء بتعامل في حدوده الدنيا وقدر من التكتم رغم أنها تتعلق بمجالات عديدة مثل الفلاحة والسياحة والتجارة والأمن… من هنا تبرز معادلة رابح-رابح، حيث حصل المغرب على الاعتراف الرسمي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة الكاملة على أقاليمه الجنوبية المسترجعة. وهو بالفعل حدث دبلوماسي كبير، يكاد يضاهي في قيمته حدث المسيرة الخضراء للعام 1975.

فالقضية الوطنية لن تطرح في الظروف نفسها التي ظلت تطرح فيها طيلة العقود السابقة. أكبر قوة عالمية حسمت أمرها، وأقرت بمغربية الصحراء. وهي بذلك تعزز، إن كانت هناك حاجة إلى ذلك، مسار الحل الذي اعتمدته قرارات مجلس الأمن الدولي، وآخرها القرار 2548 الصادر يوم 30 أكتوبر الماضي. ويتسم هذا المسار بتمحوره حول المبادئ التالية: سيادة ووحدة تراب المملكة، وسمو المبادرة المغربية لمنح حكم ذاتي للصحراء، وتزكية الطابع الرباعي للمفاوضات، أي التئام كل من المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو، وأخيرا فكرة الحل السياسي المتفاوض عليه والواقعي وعلى أساس توافق.

باعترافه بإسرائيل، لم يقدم المغرب أي تنازل يهم القضية الفلسطينية. وقد أكدها العاهل المغربي للرئيس الفلسطيني محمود عباس في اليوم نفسه، الذي شهد نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تغريدة الاعتراف بمغربية الصحراء، أي يوم 10 دجنبر الحالي. المغرب محتفظ بدعمه خيار الدولتين وحماية وضعية مدينة القدس. وعاد الملك يوم 23 دجنبر ليراسل محمود عباس ويطلعه على قراره دعوة لجنة القدس، التي يرأسها الملك المغربي، لتجتمع في المغرب. أما بعض المواقف التي عبرت عنها جمعيات مغربية مناهضة للعلاقات الجديدة مع إسرائيل فهي متفهمة ومشروعة: إنها حرية الرأي والتعبير. لكن هل هي  قابلة للترافع حين نعلم أن الرهان هو القضية الوطنية الأولى، قضية الصحراء، خاصة أن المغرب يعبّر عن استمرار التزامه بدعم القضية الفلسطينية؟ إنه خطاب إيديولوجي سرعان ما يؤول إلى سقوط.

ينبغي استخلاص النتائج التي تفرض نفسها في الواقع. والحزب الإسلامي للعدالة والتنمية قام بهذه العملية. فهو وقبل ثلاثة أشهر فقط، كان زعيمه سعد الدين العثماني يهاجم أية محاولة للتطبيع مع إسرائيل، واصفا إياها بالكيان الصهيوني. وتبعه في ذلك، بالمناولة، وزير التشغيل محمد أمكراز والكاتب الوطني لشبيبة الحزب، والذي كلّف بدعم وتغذية الخطاب نفسه. وها هو اليوم رئيس الحكومة نفسه يوقع مساء الثلاثاء 22 دجنبر اتفاقا متكاملا جنبا إلى جنب مع مسؤول رسمي من إسرائيل. هل يعتبر الأمر « تطبيعا » من حزب العدالة والتنمية لعلاقته بإسرائيل؟ هنا يتم الانتظام داخل الخيط الناظم الوحيد للدبلوماسية المغربية، والذي هو المسؤولية الملكية.

وكما لو أنه يحاول التخلص من هذه المراجعة الممزقة للمرجعية التقليدية لحزبه في المسألة الفلسطينية، اعتبر العثماني من المناسب المطالبة باسترجاع سبتة ومليلية، متسببا في توتر دبلوماسي مع مدريد. هل كنا في حاجة إلى ذلك في ظل الظرفية الحالية؟ ففي المرجعيات الفكرية لحزب العدالة والتنمية لا نجد الكثير من إحالات المرجعية على وضعية مدينتي سبتة ومليلية كـ »مدينتين محتلتين ».

جانب آخر لا بد من إثارته، يهم توسيع مجال تحرك الدبلوماسية المغربية دوليا. فمند 1975، ظلت قضية الصحراء مركزية في العمل الدبلوماسي، وتراكمت الكثير من التنازلات والتوافقات، لأننا كنا في حاجة إلى دعم دول وقوى، خاصة منها تلك العضو في مجلس الأمن الدولي، مهما كلف ذلك من ثمن، إلى جانب دول مثل إسبانيا ومنظمات إقليمية مثل الاتحاد الأوربي والاتحاد الإفريقي… اليوم يجد المربع الأخير لمناصبي العداء للمغرب نفسه أمام الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.

كل من الجزائر وجنوب إفريقيا والآخرين، باتوا اليوم في مأزق وانحصار دبلوماسي. وأمام المغرب، أخيرا، فرصة إطلاق العنان لدبلوماسيته سواء في القارة الإفريقية أو خارجها، وتعزيز حرية تحركه ووضع خياراته الاستراتيجية، وذلك في الوقت الذي يتم فيه مراجعة التحالفات داخل المجال المغاربي والشرق الأوسط وبقية العالم. ويبرز المغرب، أيضا، كحامل لرؤية سلام وتضامن وتعاون، سواء ضمن علاقات جنوب- جنوب أو في مجالات جيو استراتيجية أخرى. عملية إنضاج جرت في ظل ظروف صعبة وفي سياق دولي جد مضطرب، وهو ما يسجّل ضمن حصيلة الملك الذي تمكن من تحقيق هذا التطور، بثبات وإقدام وشجاعة.

مصطفى السحيمي 

*أستاذ للقانون الدستوري ومحلل سياسي

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي