مصطفى كرين  يكتب: كالبكاء على الحسين

28 ديسمبر 2020 - 23:59

 في سياق نظرة استباقية أو استشرافية لتطور الأحداث في منطقتنا أتوقع في المدى المنظور أن يقع أمران :

– أولهما:  نهاية مقترح الدولتين والتوجه نحو حل في إطار دولة واحدة تجمع الفلسطينيين والإسرائيليين، لأن حل الدولتين لم يعد قابلا للتحقيق وفقد مقومات الحياة، لا المساحة التي بقيت تحت مسؤولية الفلسطينيين ولا توزيعها الجغرافي ولا مقوماتها الاقتصادية ولا البنية السياسية والاجتماعية الفلسطينية تصلح لإقامة دولة، ولا إمكانية توسيع هذه المساحة ممكنة، ولا الإسرائيليين مستعدون للتنازل عن الصلاحيات الكفيلة بتأسيس دولة فلسطينية قابلة للحياة.

لذلك من العبث الاستمرار، في هذا الطرح لمدة أطول، ولذلك فإن الإمعان والاستمرار في تبديد الجهد والوقت في التظاهر من أجل الإعلان عن الموقف من التطبيع، سلبا أو إيجابًا وإن كان حقا مشروعا، فإنه لا يختلف عن طقوس عاشوراء « والبكاء على الحسين »، تلك الطقوس التي، رغم مشروعيتها (ولا أتكلم عن شرعيتها) في وقتها وزمانها حين اغتيال الحسين، إلا أنها أصبحت اليوم خارج الزمن ومتجاوزة وعبثية وقد تتسبب في الكثير من الجراح والندوب على الجسم، دون أن يستفيد الحسين رحمة الله عليه من ذلك شيئا.

 – ثانيا: ستتم توسعة الحلف الأطلسي لتشمل دولا إفريقية وآسيوية، على رأسها الإمارات والسعودية والمغرب ومصر. أقول هذا لأن العالم يخضع في لحظاتنا التاريخية هذه، لعملية تفكيك وإعادة ترتيب وتركيب قسرية، لا مجال فيها لتعدد الخيارات، هدفها هو تهييء الساحة والظروف للمواجهة بين القطبين الجبارين المعلنين عبر العالم، أمريكا ومن يدور في فلكها من جهة، ومحور الصين-روسيا ومن يدور في فلكهما من جهة أخرى، وبقراءة بسيطة يتبين أن ساحة هذه المواجهة لن تكون سوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أو ما يعرف بمنطقة MENA.

ومن أجل ذلك تعمل على تأهيل هذه المنطقة لمصلحتها ولتكون داعمة لها في سياق المواجهة المقبلة، ولكي تصبح، كذلك، فإن المنطقة تحتاج لأن تصبح في نفس الآن قوية ووفية، أي مرتبة ومرتبطة بشكل وثيق بالمشروع الأمريكي، وكي تصبح كذلك عليها أن تكون موحدة، ولكي تكون موحدة فعليها أن تنزع مجموعة من الألغام والخلافات ذات الطابع السياسي والعسكري، والتي تقف حاجزا في وجه عملية توحيدها، ولذلك مافتئنا نقول إن تزامن الإجراءات الأمريكية في فلسطين والصحراء، ليس مقايضة بأي شكل من الأشكال، بل أكاد أقول إن أمريكا بحاجة إلى قوة حليفة ومستقرة بالصحراء بقدر حاجة المغرب إلى ذلك.

إنها بعض من حزمة إجراءات جيوسياسية تبتغي خلق أكبر تكتل سياسي وأكبر قوة اقتصادية بأكبر امتداد جيواستراتيجي في منطقة « مينا » والممتد تأثيرها المباشر وغير المباشر على مدى ثلاث قارات، إفريقيا، آسيا وأوروبا، لصالح الرؤيا الأمريكية، وذلك حتى تقف حاجزا وواقيا من الصدمات المباشرة بين أمريكا والصين- روسيا، وللحد من تمدد هذا القطب الأخير، بعد اختراق الصين لإفريقيا واستقرار روسيا بسوريا.

وسيتعزز كل هذا، ربما، لاحقا باتخاذ إجراءات أمريكية أخرى لحل ما تبقى من مشاكل سياسية عالقة في المنطقة. وفي هذا السياق فقط، يمكننا إدراج الإجراءات الأمريكية السابقة والحالية والمستقبلية، سواء أكانت تطبيعاً أو غيره، ولهذا اعتبرت لا أننا قد نسير في المستقبل القريب في اتجاه حل الدولة الموحدة في إسرائيل-فلسطين عوض حل الدولتين، دولة يتعايش فيها العرب واليهود وفق منهجية تتجاوز وتطوي منطق الصراع، وتنهل من » روح » التعايش، ودور المغرب في هذه السيرورة هو أنه يعتبر مرجعية لهذه الروح بالإجماع، برصيد من التعايش مسنود بالتاريخ والثقافة المشتركة التي تحملها فئة كبيرة من مغاربة إسرائيل، مثلما تشكل روح العلاقة التي تربط المغرب بأقاليمه الجنوبية.

إنها علاقة فريدة متفردة مؤطرة بإمارة المؤمنين ونظام البيعة، ورئاسة لجنة القدس المنبثقة والمسنودة بهذه المرجعية والصفة، وهو ما يعطي للمغرب دورا محوريا في عملية إعادة التشكيل هذه، باعتبار علاقاته الخاصة والمتميزة بين كل من الفلسطينيين والمغاربة الإسرائيليين الفاعلين والمؤثرين جدا في قرارات الدولة العبرية.

ومن نافلة القول إن تكتلا سياسيا واقتصاديا كالذي ذكرناه في منطقة  MENA، لا بد له من حماية وإسناد عسكري، ولذلك لا يجب الاستغراب من تسارع الأحداث والترتيبات العسكرية في المنطقة، سواء تعلق الأمر بالقواعد العسكرية الأمريكية الإسرائيلية، أو بتجهيز دول المنطقة بالسلاح والتكنولوجيا القتالية، وهو ما جعلنا نتوقع فتح نقاش قريب حول انضمام بعد الدول التي تعتبر مفاتيح للمنطقة، إلى حلف شمال الأطلسي في أقرب الآجال.

بعبارة أخرى يمكن القول إن القطبين الأمريكي والصيني يبحثان عن « ساحة حرب » بعيدة عن مجالاتهما الجغرافية والحيوية، وقد وجدا في منطقة MENA، كل الشروط الملائمة لذلك، ولا نعني بالحرب هنا الحرب العسكرية بالضرورة وإن كانت قد تتطور إلى ذلك، وإنما ساحة حرب اقتصادية وتكنولوجية غير مسبوقة، والمنتصر في حرب MENA سينتصر في حرب الاستقطاب.

نحن إذًا أمام عملية إعادة ترتيب جيوستراتيجي هائلة وقسرية يكاد يستحيل الوقوف في مواجهتها بما نحن عليه حاليا، دون التحول إلى رماد، ولذلك لم يعد هناك مكان في المنطقة، ليس للبوليساريو فقط، التي لا تعدو كونها تشوها خِلقيا وأخلاقيا سيتم استئصالها بدون رحمة، بل لم يعد هناك مكان حتى للدول التي لم تفهم بعد هذه المعادلة أو قد تتأخر في فهمها، سواء تعلق الأمر بالجزائر أو حتى ببعض الدول والتكتلات الأوروبية التي قد تؤدي ثمنا غاليا باعتقادها القدرة على الوقوف في وجه الأحداث، وقد فهمت تركيا ذلك بسرعة حين صرح أردوغان أمس أن تركيا ترغب في تعزيز علاقاتها مع إسرائيل.

ومن جهة أخرى، فإنه في أي عملية إعادة بناء لصرحٍ ما، لا يمكن الاحتفاظ إلا بالأعمدة الصلبة والمتينة، أما باقي الأعمدة (الدول) المهترئة سيتم حتما تسويتها بالأرض قبل البناء على أنقاضها، ولذلك وجد المغرب نفسه بحكم ما يتمتع به من صلابة سياسية وثقافية وجيواستراتيجية، مكلفا بريادة وتأطير المنطقة برمتها. وغيره آيل إلى الدمار لا محالة .

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي