الصيادلة يشكون إرباكا تسببت فيه شروط وزارة الصحة أدى لامتناع الناس عن التلقيح

11 يناير 2021 - 20:00

معطيات “مثيرة” تميط اللثام عن خفايا فشل عملية تلقيح المغاربة ضد الأنفلونزا الموسمية، التي تزامنت هذه السنة مع فيروس “كورونا” المستجد والسلالة الجديدة من هذا الفيروس، كشف عنها صيادلة المغرب أول أمس السبت، محملين المسؤولية الأولى والكاملة لوزارة الصحة، التي فشلت في تدبير هذا الملف، ما ينذر بـ”الأسوأ بالنسبة لحملة التلقيح الوطنية والتاريخية المرتقبة ضد جائحة كوفيد19″، بحسب تحذيرات صيادلة المغرب.

واشتكى صيادلة المغرب على هامش المؤتمر الرابع المنظم من قبل جمعية عالم الصيادلة بالمغرب “إم فارما”، تحت شعار: “مزاولة الصيدلة في المغرب: تحديات وتطلعات”، من تغييبهم من طرف وزارة الصحة على مستوى تدبير ملفين مهمين، الأول تنزيل الحملة الكبرى الخاصة بالأنفلونزا الموسمية التي انطلقت شهر أكتوبر الماضي، وتنزيل حملة التلقيح الوطنية ضد فيروس كورونا، التي ستنطلق خلال الأيام المقبلة.

واتهم الصيادلة المغاربة وزارة الصحة بـ”الانفراد” بالقرارات دون اعتماد المقاربة التشاركية في تنزيل كل خططها وبرامجها وعملياتها الصحية، التي واكبت المرحلة السابقة “جد حساسة والتي لم تكن تتحمل أدنى خطأ يرخي بظلاله على السلامة العامة”، بحسب ما أكده كل من رئيس جمعية عالم الصيادلة بالمغرب محمد سلمي، ومهدي بري، الصيدلاني وعضو المجلس الوطني لكونفدرالية صيادلة المغرب في تصريحات مختلفة لـ”أخبار اليوم”، مشددين على أن الأخبار والقرارات الجديدة للوزارة الوصية “كانت تصلهم في آخر لحظة كأي مواطن، بما فيها تطعيم المغاربة ضد فيروس الأنفلونزا الموسمية”.

ويرى صيادلة المغرب أن جائحة كورونا فضحت وعرت واقع الصيدلي المغربي في بلده، بحسب ما أكده محمد سلمي، رئيس جمعية عالم الصيادلة بالمغرب، مشددا على أن الوضع في حقيقته يدعو للأسف الشديد، ذلك أنه في دول مغاربية مجاورة أو حتى أروبية وعربية، الصيدلي لديه قيمة محترمة خاصة من طرف الوزارة الوصية على القطاع، على عكس المغرب الذي تكاد الوزارة لا تعتبرهم جزءا من الأسرة الطبية، ما اضطرهم طيلة السنوات الماضية وخلال السنة الفائتة التي تزامنت مع موجة الجائحة، إلى القيام باجتهادات فردية كنقابات وصيادلة من أجل مسايرة المرحلة وتطويق الوباء، بما توفر لديهم من آليات واجتهادات فردية وفقا للبرامج والخطط الهادفة إلى إنعاش القطاع وحماية المواطن من الخطر المتربص به والتي وضعتها الوزارة دون إشراكهم”، يقول الصيدلاني مضيفا: “نحن مغيبون وللأسف الوزير خالد أيت الطالب ربما بصفته طبيبا يهتم بهذه الفئة أكثر من الصيادلة، الذين كانوا أيضا في الصفوف الأمامية وفي المواجهة المباشرة مع المخاطر وأيضا مع المواطن، إذ تُرك الصيدلاني وحيدا في الميدان المليء بالتحديات طوال أزمة فيروس كورونا التي تمر منها البلاد، دون أدنى تواصل من الوزارة”.

وبخصوص ما اعتبره الصيادلة المؤتمرون “فشل حملة التلقيح الكبرى ضد الأنفلونزا الموسمية”، شدد مهدي بري، الصيدلاني وعضو المجلس الوطني لكونفدرالية صيادلة المغرب، على أن الشروط التعجيزية التي وضعتها الوزارة إلى جانب غياب التواصل معه وعامل الوقت ورفع الثمن أيضا، تسببت في حالة ارتباك لدى المواطن وبالتالي تراجعه عن أخذ التطعيم وفشل الحملة ككل.

وفي هذا الصدد يوضح الصيدلاني أن “الوزارة الوصية لم تستقدم إلا أعدادا جد قليلة ومحدودة من لقاح الأنفلونزا الموسمية”، وهو ما يتنافى مع الوعد الذي سبق وقطعته في بلاغ عممته في وقت سابق، والذي ورد فيه أن عدد اللقاحات الموزعة في المغرب سيتجاوز كميّة العام الماضي بنسبة 40٪، إذ سيتم عموماً الحصول على 570.000 جرعة أو أكثر عبر دفعتين أو ثلاث دفوعات”، وهو ما ينفيه بري بالمطلق، مشددا على أن كل صيدلية توصلت بما يقارب 5 لقاحات، وبالتالي الوزارة الوصية رمت بالكرة إلى الصيدلاني من أجل تحديد لمن وكيف سيعطي هذا التطعيم، أي أن المواطن وبعد أن يستوفي الشروط المعقدة التي وضعتها الوزارة يصل إلى الصيدلية، ولا يجد لقاحا لأن الصيدلاني عليه أن يختار من أحق بالاستفادة أيضا من هذا التطعيم”.

ونبه المتحدث إلى أن الوزارة قامت بحملة تواصلية كبرى استهلتها في شهر نونبر دون أن توفر أساسا اللقاح اللازم، كما أن الصيدلاني ووفق المراسلة التي بعثتها الوزارة كان مطالبا بملء استمارة على الموقع الإلكتروني الذي سيسهل عملية التواصل مع الوزارة نفسها، لكن ما عسر العملية أيضا هو أن هذا الموقع نفسه لم يكن يعمل طيلة أسابيع متتالية، وأمام واقع عرقلة الصيدلاني وغياب اللقاح وتساؤل المواطن، نفر المواطنون منذ الأسبوع الأول من البحث عن تطعيم وتراجعوا بسهولة”، يقول المتحدث مضيفا: “بادرنا كصيادلة مرارا إلى الاتصال بشركة التوزيع وقد أرسلت بضعة لقاحات بعد أسابيع أخرى على شاكلة علبتين في الأسبوع، لكن للأسف لم يعد هناك إقبال عليها علما أن اللقاح أو تطعيم الأنفلونزا الموسمية يعطي ولا يعود، وبالتالي بقي في الصيدليات معرضا للتلف، خاصة وأن مدة صلاحيته تنتهي بعد شهرين وهنا الضحية هو الصيدلاني”.

واعتبر بري أن لـ”عامل الثقة بين المواطن والمسؤول المغربي دور أيضا في فشل حملة التلقيح ضد فيروس الأنفلونزا الموسمية، خاصة وأن ما عززه أكثر هو رفض الوزارة التواصل مع المواطنين بالمطلق، وهو ما تسبب في تراجع المواطنين بمن فيهم الفئات التي كان من الضروري أن تأخذ هذا التطعيم عن طلبه، وبالتالي يسعنا القول إن الوزارة هي نفسها نسفت حملة التلقيح”.

وإلى جانب الأسباب السابقة التي أوردها بري، كذب المتحدث أيضا بلاغات الوزارة المتعلقة بموعد حملة الأنفلونزا الموسمية، مبرزا أنها كانت قد أعلنت عن انطلاقها في 2 نونبر، لكنها في الحقيقة لم تنطلق فعليا إلا في 15 نونبر، ”وهو موعد جد متأخر من الناحية الطبية والعلمية، ذلك أن الجسم يكون في حاجة ليعد مضاداته المناعية تحصينا للإصابة بالفيروس، إذ كان يفترض أن تنطلق الحملة أساسا في بداية أكتوبر ليكون للتطعيم دور وفعالية في تحصين جسم المواطنين من خطر الإصابة بالأنفلونزا الموسمية التي يذهب ضحيتها عشرات الآلاف حول العالم، غير أن التأخير كان مضاعفا لأكثر من شهر ونصف، وهو ما يهدد صحة المواطن خاصة ذوي الهشاشة الصحية”.

من جهة أخرى، ومن بين الأخطاء ”القاتلة” التي ارتكبتها وزارة أيت الطالب خلال المرحلة السابقة، يقول بري، “عدم تواصلها بشأن لقاح الأنفلونزا الموسمية وتركيبته الجديدة، فقد اختار المغرب اللقاح من النوع الرباعي من أجل الحملة، على الرغم من ارتفاع سعره، غير أنه لم يوضح للمواطنين نوعية المادة الرابعة الخاصة بهذا اللقاح والذي رفعت ثمنه، ما تسبب في نفور فئة مهمة منهم وتشكيك البعض وانتشار الإشاعة في صفوفهم بشأن هذه المادة”.

ويوضح الصيدلاني أن اللقاح الخاص بالأنفلونزا للسنوات الماضية كان محددا في 72.80 درهما قبل أن يصير 125.30 درهما خلال هذه السنة، بعد أن أضيفت سلالة جديدة لهذا اللقاح، أي أصبحت التركيبة رباعية عوض ثلاثية، وهذه السلالة الجديدة التي أضيفت للقاح من شأنها أن تزيد فعاليته ضد أي خطر جديد محتمل أو تطور على مستوى الأنفلونزا”، مضيفا: “وللأسف الوزارة لم تتواصل بهذا الشأن مع المواطن وتوضح له طبيعة المادة التي ستدخل جسمه إذا هو وجدها طبعا في الصيدلية”.

ومن المعطيات المثيرة التي كشف عنها الصيدلاني في تصريحه، والتي تبين حجم وهامش التباعد بين صيادلة المغرب والوزارة الوصية على القطاع، هي مراسلة جديدة بعث بها الوزير أيت الطالب إلى رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة بعد شهرين على انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية.

المراسلة “الغريبة”، والتي تتوفر “أخبار اليوم” على نسخة منها، بعث بها الوزير أيت الطالب في 5 يناير الجاري إلى رئيس الهيئة المنتهية صلاحيته، وتتضمن موافقة على طلب سبق أن بعثت به الهيئة من أجل أن يستفيد صيادلة المغرب من لقاحات الأنفلونزا الموسمية على غرار موظفي القطاع الصحي، وموظفي كليات طب الأسنان والطب العام ومعاهد تدريب الممرضين وموظفي الرعاية والمقيمين والمتدربين، والنساء الحوامل فوق الشهر الرابع من الحمل، اللواتي يتم مراقبة حملهن في مؤسسة صحية عمومية، وجميع الأشخاص الذين يخضعون لعمليات الغسيل الكلي، الذين سبق واستفادوا، أي في منتصف شهر نونبر الماضي، في إطار الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا.

ويعتبر صيادلة المغرب في تصريحات مختلفة لـ”أخبار اليوم”، هذه المراسلة “مضحكة ومستفزة في الآن ذاته”، بحيث شدد بري على أن الصيادلة كانوا مستثنين من عملية التلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية على غرار زملائهم في الطب والتمريض وغيرهم، فيما وبعد أن بقي مخزون اللقاح الذي تقترب مدة صلاحيته على الانتهاء، عاد وزير الصحة ليوافق على تلقيحهم بعد ثلاثة أشهر على الفترة التي يفترض أن يكون جسم الإنسان، خاصة الأشخاص في الصفوف الأمامية على غرار الصيادلة، قد تم تلقيحهم سلفا لاكتساب المناعة”، يقول المتحدث محذرا من أن هذا الوضع ينطبق أيضا على الحملة المرتقبة الخاصة بفيروس كوفيد19، والذي إلى حدود الساعة “لا يعرف عنه الصيادلة شيئا أكثر مما يعرف المواطن العادي بالرغم من مشاركتهم فيه”..

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي