بعد مرور حوالي سنة على إدانته ابتدائيا بجناية « الارتشاء »و الحكم عليه بست سنوات سجنا نافذا وغرامة نافذة قدرها 500 ألف درهم (50 مليون سنتيم)، قررت غرفة الجنايات الاستئنافية المختصة في جرائم الأموال باستئنافية مراكش، صباح الخميس المنصرم، إعطاء آخر مهلة لرئيس قسم الشؤون الاقتصادية والتنسيق بولاية جهة مراكش ـ آسفي، « ع.ع » من أجل الاتصال بدفاعه، ممثلا في المحامي مولاي عبد العزيز العلوي المودني، من هيئة مراكش، محددة الخميس 21 يناير الجاري تاريخا للجلسة الـ13 من محاكمته الاستئنافية في حالة اعتقال، على خلفية توقيفه متلبسا بتلقي رشوة مفترضة، قدرها 120 ألف درهم (12 مليون سنتيم) داخل مكتبه الوظيفي بمقر الولاية.
وسبق للغرفة، برئاسة القاضي حسن عقيلة، أن رفضت ثلاث مرات الموافقة على ملتمسات تقدم بها أمامها دفاع المتهم من أجل إخلاء سبيله ومحاكمته في حالة سراح، وذلك خلال الجلسة الأولى من المحاكمة الاستئنافية التي التأمت، بتاريخ 19 مارس من السنة الفارطة، والجلسة الثالثة المنعقدة يوم 23 أبريل من السنة نفسها، والسابعة بتاريخ 8 أكتوبر الفائت.
وتم تأجيل المحاكمة، طيلة 5 جلسات متتالية، ابتداءً من الجلسة الثانية بتاريخ 9 أبريل الماضي، للمحافظة على الصحة العامة، في إطار التدابير الاحترازية للحد من تفشي وباء « كورونا »، قبل أن تتأخر، مجددا وخلال 5 جلسات أخرى متوالية، ابتداءً من الجلسة السابعة، إما لاستدعاء باقي الدفاع، أو لإمهال محاميي المتهم والطرف المدني من أجل إعداد الدفاع.
وكانت غرفة الجنايات الابتدائية المختصة في جرائم الأموال بالمحكمة عينها، برئاسة القاضي أحمد النزاري، قضت، عصر الأربعاء 22 يناير من السنة الماضية، بالعقوبة السجنية المذكورة ضد المتهم، وبإرجاعه مبلغ الرشوة إلى المشتكي، وهو مساهم صغير في رأسمال الشركة المستغلة لمسبح وحانة « سنوب بيتش »، ضواحي مراكش.
هذا في الدعوى العمومية، أما في الدعوى المدنية التابعة، فقد قُضي لفائدته بتعويض قدره 10 آلاف درهم (مليون سنتيم)، فيما قضت المحكمة بدرهم رمزي للطرف المدني الثاني في الملف، ممثلا في الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة « ترانسبرانسي المغرب ».
وقد تميزت المحاكمة الابتدائية بالتزامها بترشيد الزمن القضائي وتسريع وتيرة التقاضي، إذ انعقدت أربع جلسات، استغرقت بالكاد ثلاثين يوما ونيّف.
هذا وكان المتهم، الذي شغل منصب رئيس قسم بولاية مراكش طيلة 29 سنة متواصلة، استنطقته المحكمة، خلال المرحلة الابتدائية من المحاكمة، فأنكر التهمة المتابع بها، متشبثا بتصريحاته التمهيدية أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، التي أوضح فيها بأن مسير المسبح طلب منه موعدا للقائه دون أن يحدد طبيعة الموضوع، وقد طلب من كاتبته بأن تُدرج اللقاء ضمن لائحة المواعيد الخاصة به، مضيفا بأن لائحة مواعيد صبيحة توقيفه، بتاريخ 12 دجنبر من 2019، كانت تتضمن لقاءين، وخلال اللقاء الأول تلقى اتصالا هاتفيا من مسير المسبح، اعتذر فيه عن عدم الحضور، مخبرا إياه بأن هناك شخصا مبعوثا من طرفه سيأتي إليه، وهو الشخص الذي قال إنه استقبله، في الموعد الثاني، وكان يحمل معه ملفات حمراء، وشرعا يتحدثان عن مشكل العمال، ليربط المسؤول الاتصال بنائبة المندوب الجهوي للتشغيل، زاعما بأنه وما كاد ينتهي من مكالمة هاتفية حتى غادر الشخص المذكور المكتب مسرعا وحاملا معه ملفا، قبل أن تداهم الشرطة المكتب وتجد الملف الأحمر فوق الطاولة المقابلة لمكتبه، والذي قال إن المشتكي تركه في غفلة منه.
وسبق لمحققي المكتب الوطني لمكافحة الجريمة الاقتصادية أن واجهوا المتهم بمقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، خلال مرحلة البحث التمهيدي، بواقعة تبادله اتصالات هاتفية عديدة مع مسير المسبح، كان آخرها اتصاله من هاتفه الوظيفي بالشخص المذكور، حوالي الساعة الرابعة من بعد زوال اليوم السابق لتوقيفه، وتلقيه مكالمة أخرى منه، دقائق قليلة قبل اعتقاله، كما واجهوه بتصريحات المسير بأن المتهم سبق له أن لبّى دعوة لمأدبة غذاء بالمسبح، الذي استضاف، أيضا، أبناءه الثلاثة، الذين قضوا به يوما كاملا وتناولوا مأكولات ومشروبات دون أن أداء مستحقاتها، التي قاربت 2000 درهم، وقد اعترف المتهم بأنه زار المسبح لأول مرة، في يونيو من 2019، بدعوة من مالكه الأصلي، الذي قال إنه تناول معه وجبة الغذاء ثم غادرا على متن سيارة مضيفه.
وينحدر المسؤول المتهم من جماعة بضواحي بني ملال، التي تابع فيها دراسته الابتدائية، قبل أن ينتقل إلى الدار البيضاء التي حصل فيها على الباكالوريا ثم على الإجازة في الاقتصاد، ليلج إلى مدرسة تكوين الأطر، التي تخرج منها متصرفا ممتازا، ليتم تعيينه في بداية الثمانينيات مسؤولا بالقسم الاقتصادي بولاية الرباط، وبين 1988 و1990 شغل رئاسة القسم الاقتصادي بعمالة قلعة السراغنة، ثم التحق بولاية مراكش رئيسا للقسم نفسه، وهو المنصب الذي بقي يشغله حتى بعد إحالته على التقاعد، بمقتضى عقد تمديد سن التقاعد لفترتين، كان مقررا أن تنتهي الأخيرة متم السنة المنصرمة.
وقد استمع المحققون للمسؤول، مرتين، خلال وضعه تحت الحراسة النظرية التي استغرقت حوالي 72 ساعة، إذ أوضح بأنه يتوفر على حسابين بنكيين لا يتجاوز رصيدهما 27 ألف درهم، مشيرا إلى أنه يتقاضى راتبا شهريا قدره 16 ألف درهم، فضلا عن منحة شهرية عن المسؤولية قدرها 3000 درهم، كما قال إن زوجته تتقاضى 3 ملايين سنتيم شهريا من مداخيل مؤسسة تعليمية خاصة في ملكية والدتها، أما ممتلكاته العقارية فأشار إلى فيلا بمراكش، مساحتها 200 متر مربع، يكتريها منه ضابط متقاعد في القوات المسلحة الملكية بمليون سنتيم شهريا، قال إنه اقتنى العقار المشيدة عليه في التسعينيات بـ 6 مليون سنتيم، أداها على شكل دفعات لمدة ست سنوات، وكلفه البناء 100 مليون سنتيم، كما يشترك مع زوجته في ملكية الفيلا، التي يقيم فيها حاليا، التي تصل مساحتها إلى 500 متر مربع، مشيرا إلى أنه اقتنى البقعة الأرضية بـ 50 مليون سنتيم من مؤسسة « العمران »، فيما بلغت تكلفة تشييدها 140 مليون سنتيم، كما يشتركان في ملكية شقة بحي « أكَدال » بالرباط، مساحتها 125 مترا مربعا، قال إنها كلفتهما 90 مليون سنتيم، وأضاف بأن زوجته دفعت تسبيقا قدره 20 مليون سنتيم في بقعة تصل قيمتها إلى 72 مليون سنتيم، وقال إنها تملك ثلث بقعة أخرى بتجزئة « المنارة وازيس » بمراكش، تبلغ قيمتها أكثر من 210 مليون سنتيم، بالاشتراك مع شخصين آخرين، مضيفا بأنها لازالت لم تؤد قسطها وتنازلت لشخص آخر، غير أن الفرقة الوطنية ضمّنت المحضر بوثيقة من مؤسسة العمران تفند التصريحات التمهيدية للمتهم المتعلقة بالبقعة الأخيرة، والتي توضح بأن الرسم العقاري مسجل في اسم زوجته لوحدها، ولم تتنازل عنه لأي شخص، بل أكثر من ذلك فقد أدت قيمته المالية كاملة، والتي تصل إلى 218 مليون سنتيم..