البكاري يكتب: أسكاس أماينو 2971

14 يناير 2021 - 07:00

ومثل كل مطلع سنة أمازيغية جديدة، تعاد الأحاديث والمطالبات المكررة، فمن مبدع للاحتفاء بإض يناير من موقع سلفي لا يريد أن يغادر خطوطا رسمت منذ زواج الدول السلطانية بالمرجعيات المذهبية، وهي مرجعيات لم تتخلص بدورها من فاعل «العرف المحلي» حين تقعيدها في مرحلة التشييد، غير إن ناقليها من المحضن الأصلي نحو المحاضن الفرعية، لم ينحوا مناحي التبيئة، لذا، خاصموا عوائد البلاد التي جرى ترحيل المذهب إليها.

وفريق آخر لم ييأس من معاودة المطالبة بجعل رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية، في الوقت الذي يستمر فيه إعراض الجهات الرسمية عن الاستجابة لمطلب لن يكلف ماديا سوى إمضاء على ورقة، وبيان يذاع في التلفزة والإذاعة والمواقع، لكن تكلفته الرمزية أبلغ، لذلك، تتريث الجهات العليا في انتظار التوقيت المناسب.

فإخراج مثل هذا القرار ربما يتطلب تأثيثا للحظة بما يجعلها تدخل في مجال تجديد الشرعيات الرمزية، ويلزم زحزحتها من مجال «الضغط» المجتمعي والحركي، إلى مجال «الهبة» التي تقتضي تجديد أواصر الولاء للواهب المانح، لا شكر الذين سبقوا بالمطالبة بحق يكفله العرف والقانون المحليان والشرائع الكونية.

ففي السنة الماضية، طالب نواب الأغلبية والمعارضة بإقرار يوم 13 يناير عيدا وطنيا، وعطلة مؤدى عنها، وهي مطالبة لذر الرماد في العيون، إذ لو كان المطلب جديا، لتقدمت تلك الفرق مجتمعة بمقترح قانون، أو أن تتكفل الأغلبية من داخل المجلس الحكومي بصياغة مشروع قانون، لكنهم اكتفوا بأسئلة شفهية متواطئة، وهو التواطؤ الذي سينكشف مع جواب السيد الرميد، الذي بعدما هنأ عموم المغاربة بمقدم السنة الجديدة، وعبر عن مشروعية المطلب وعدالته، قال إن المخول لحسم إعلان يوم 13 يناير عيدا وطنيا هو ملك البلاد، باعتبار أن هذا من الأحداث الكبرى المرتبطة ضمنيا بحقل السيادة.

يمكن أن أتفهم حرج الفاعل السياسي من ممارسة صلاحياته الدستورية في أمر «بسيط» مثل هذا، ويمكن أن أتفهم أن يترك قرار إعلان ترسيم السنة الأمازيغية للملك، فالملك (السابق والحالي) هو من أعلن إحداث القناة الأمازيغية وتدريس اللغة الأمازيغية بحروف تيفيناغ، وتأسيس المعهد الملكي للثقافة واللغة الأمازيغيتين، ودسترة اللغة الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية وليس وطنية فقط، ففي قضايا ترتبط بـ«نزاعات» هوياتية، تحتفظ المؤسسة الملكية بالكلمة الأخيرة في تحديد الأسوار والحدود ومناطق التماس، وفض الاشتباكات، بما يسام في تأبيد الهدنة الهوياتية، مع الوعي بأن ما يُحسم تشريعيا، لا يعني حسمه واقعيا.

لذلك، حين يكون أهم وزراء الحكومة ينحدرون من مناطق ناطقة بالأمازيغية، يمثل فيها إض يناير أو الحاكوز طقسا احتفاليا لا تختلف رمزيته عن «العيد الكبير والصغير»، مثل العثماني وأخنوش والفتيت، وقل الأمر نفسه عن رؤساء الأحزاب التي تنعت بالكبرى: البيجيدي والأحرار والبام والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، ولا يستطيعون، سواء من مواقعهم الحكومية أو الحزبية، أن يتقدموا بملتمس للملك من أجل هذا المطلب الرمزي، فما عسى يمكن أن ينتظر منهم الناس في ملفات كبرى.

لا أشك أنهم بدورهم يتمنون أن يُنزَّل هذا القرار اليوم قبل غد، ولكن حتى رفع ملتمس للملك لم يعد مرتبطا بمبادرة ذاتية منهم، بل هو مرتبط بانتظار إشارات في هذا الاتجاه.

إنها صورة من العقل الحزبي الذي وجب دفنه.

كانت لنا أحزاب في بداية الاستقلال تحكم فعليا إلى جانب السلطان في حدود متوافق عليها ضمنيا، ثم لما أخرِجت من دائرة الحكم مع إعلان نهاية حكومة عبد الله إبراهيم، مارست معارضة أجبرت الملك مرات عديدة على الجلوس إلى مائدة التفاوض، وأحيانا استعان باستشارتها في ملفات حارقة، حتى وهي في المعارضة، ثم في مرحلة لاحقة جرت الاستعاضة عن ذلك بالمذكرات التي تتضمن وجهات نظر أو مطالب بخصوص حتى الشأن الدستوري.

اليوم لم يعد القوم قادرين ليس فقط على الاعتراض، بل على مجرد تقديم مذكرة للديوان الملكي تحترم كل الأعراف المرعية، وينتظرون إشارات للتحرك، أو ينتظرون خطابات الملك ومبادراته وقراراته لترجمتها ترجمة ركيكة سواء في تصريحاتهم أو بياناتهم، أو ما تبقى لهم في أحياز تدبير الشأن العام.

حين تعجز الحكومة والبرلمان والأحزاب عن مجرد حسم إقرار بداية السنة الأمازيغية عيدا رسميا وعطلة مؤدى عنها، فهذا يعني أنها عبء على الدولة والمجتمع، وكذلك على الملكية نفسها.

كنت أتمنى أن تكون هذه السنة نهاية لهذا المسلسل، لأنه، بعيدا عن أي اختلافات، فهذه المناسبة تمثل إرثا مشتركا للشعوب الأمازيغية/ المغاربية/ الشمال إفريقية، وهي عمقنا التاريخي والحضاري والاستراتيجي، الذي، للأسف، شهد هذه السنة شروخا.

أسكاس أمكاز: أعفار، ثسغارث أتويزي… سنة سعيدة: كرامة، عدالة، تضامن.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي