السحل السياسي

09 سبتمبر 2021 - 11:26

من المفارقات المؤلمة حقا في بلدنا العزيز أن تكون القوانين التي رفضها وحاربها حزب العدالة والتنمية هي التي أنقدته في نهاية المطاف من الاستئصال النهائي من جميع المؤسسات المنتخبة. وبالطبع فمهندسو قطع الطريق على حزب المصباح لم يضعوا تلك القوانين لحماية الحزب من الاستئصال، بقدر ما وقع تحول في وظيفة تلك القوانين لتعطي نتائج عكسية غير مرغوبة بسبب تطرف الآليات الموازية لها، والتي لا يتسع المقام حتى لذكر عناوينها. فكانت النتيجة سحلا سياسيا لأكبر حزب في المغرب لا يجد أي باحث موضوعي تفسيرا له إلا في تعرض الحزب لمجزرة رهيبة يوم الاقتراع، عنوانها الفضيحة حرمانه من حقه القانوني من الحصول على محاضر التصويت.

لكن في المقابل قد يرتكب الحزب خطأ استراتيجيا قاتلا إذا اكتفى بتبرير تلك النتائج، ولم يشفر رسالتها ويستوعب درسها. ذلك أن النتيجة « المفروضة عليه »، إن كانت العوامل الخارجية حاسمة فيها حد التطرف الخطير، فإن العوامل الداخلية ساهمت في تسهيل مأموريتها. وهذا التقييم المتوازن، إذا تم وفق الشروط الصحية الضرورية، هو وحده من سينقد الحزب من أن يتحول أي تطرف أو انزلاق في آلية النقد والتقييم الداخلية فيه إلى استكمال مشروع الاستئصال، بتحويله من مشروع خارجي حوَّل الحزب في المؤسسات المنتخبة، بين عشية وضحايا، من حزب عملاق إلى حزب قزم، إلى آلية تهدد وجوده التنظيمي والعضوي أيضا.

ما هي الرسالة التي ينبغي على الحزب استيعابها من سحله السياسي؟ ومن هي الأطراف التي تقف خلف المجزرة السياسية التي تعرض لها؟ وهل نحن أمام قرار سياسي مسبق تم إخراجه وفق مسلسل تدميري رهيب، في تلك الصورة الغريبة، انطلق من المؤامرة التشريعية المشهورة التي أخرجت قوانين التحكم الانتخابي، وانتهى بحرمان الحزب من حقه القانوني والسياسي في الحصول على محاضر التصويت، مرورا بعدد كبير من الممارسات الخطيرة التي تتظافر كلها لتحقيق نتيجة واحدة هي « قطع الطريق » عليه؟ وهل نحن أمام خيار استراتيجي حدد مصير الحزب مستقبلا كحزب قزم في المؤسسات المنتخبة لا تأثير له على القرار السياسي والتشريعي؟ أم أمام تكتيك ظرفي لإرضاء باقي الأحزاب التي تطالب بـ « النوبة » التي تحكمها المصالح الحزبية، وليس بالتداول الديموقراطي على أساس الأصلح، والذي تحكمه المصلحة العامة؟ وما هو المطلوب من الحزب مستقبلا وفق ما سبق؟ هل أن يستمر حزب مناضل نظيف؟ أم يدخل نادي أحزاب « مول الشكارة »، يشاركها لعبة تكسير العظام على حلبة شراء الذمم الانتخابية.

إن الأمر يتجاوز تحليل نتائج انتخابات يعلم الجميع الأدوار الرهيبة التي لعبها فيها المال الانتخابي على كل المستويات، إلى طرح السؤال على مصداقية المؤسسات المنتخبة وتأثيرات تراجعها على الاقتصاد الوطني والسلم الاجتماعي. والتأمل في المشهد الحزبي وطرح الأسئلة الحقيقية حول مستقبله في ظل تغول المال السياسي. وطرح الأسئلة أيضا حول الأدوار التي يمكن أن تقوم بها الأحزاب السياسية التي تتصدر المشهد الحزبي في مؤسسات منتخبة فاقدة للمصداقية، في ظل التحديات السوسيو اقتصادية المتنامية التي يواجهها البلد.

سحل حزب العدالة والتنمية، وفي إطار النتائج العكسية للمؤامرات التي يتعرض لها، سيشكل لامحالة تحديا يدفع قواعده لمزيد من الالتفاف حول مشروعه، وإذا نجح في تدبير عمليات النقد والتقييم الداخلي بما يعزز تماسكه الداخلي ويوحد رؤيته، ونجح أعضاؤه في تفادي أخطاء « جلد الذات » في مواقع التواصل الاجتماعي والانزلاق إلى تبادل الاتهامات وتكريس التقاطبات، ونجح في تدبير مؤتمره الوطني القادم بإرساء مؤسسات قوية، واختيار قيادات مناسبة للمرحلة، سوف يخرج من هذا الورش الظالم أكثر قوة وأكثر شعبية. إنها معركة وعي وذكاء وثبات، الفشل فيها ثمنه باهظ، وكلفته خطيرة.

 

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي