الدرويش: مشروع "الباكالوريوس" إهدار للمال العام ويتطلب قرارا سياسيا لإنهاء العمل به (حوار)

07 يناير 2022 - 20:00

تطورات متسارعة يعرفها قطاع التعليم العالي مع قرب انتهاء نصف الموسم الجامعي الحالي، إذ بعد شروع الوزارة في تطبيق نظام “الباكالوريوس”، المثير للجدل في عدد من المؤسسات الجامعية، خرج المجلس الأعلى للتربية والتكوين، ليعلن موقفه منه، وأماط اللثام عن بعض جوانب القصور، التي تعتريه، بحس الرأي، الذي كشف عنه، قبل أيام.

وزير التعليم العالي لم يتأخر في التفاعل مع رأي المجلس الأعلى للتربية والتكوين، ليلمح، أول أمس الأربعاء، إلى إمكانية التراجع عن النظام الجديد، عقب رأي مجلس “عزيمان”.

حول هذا الموضوع، ومواضيع تتعلق بإصلاح منظومة التعليم العالي بشكل عام، يحاور “اليوم 24″، محمد الدرويش، رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين.

 وزير التعليم العالي لمح إلى إمكانية التراجع عن إقرار نظام الباكالوريوس، عقب رأي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، هل تعتقدون أن التراجع هو الحل الأنسب؟

أعتقد أن كل الشروط، والظروف توحي بجواز إلغاء مشروع “الباشلور، الذي خططت له الحكومة السابقة”، بل إنها قررت البدء في الاشتغال في إطار، بداية من الدخول الجامعي الحالي، ومع بدايته تم تسجيل ما يقارب 23500 طالب بعدد 163 وحدة “باشلورية” وبمؤسسات جامعية مختلفة، فدفتر الضوابط البيداغوجية غير مصادق عليه، ومرسوم الشهادات، الذي بمقتضاه يتم اعتماد شهادة الباشلور في مدة 4 سنوات، لم يتم تقديمه من طرف وزير القطاع السابق للمصادقة في مجلس الحكومة، ليتم نشره في الجريدة الرسمية، والميزانية المخصصة لهذا المشروع لم يظهر لها أثر في ما قدمته الحكومة الحالي.

ولابد من الإشارة إلى أن تكلفة إضافة سنة رابعة تبلغ ما يقارب 20 إلى 25 في المائة من ميزانية قطاع التعليم العالي، التي تهم أجور الموظفين والمستخدمين والماء والكهرباء وتجهيزات المختبرات، والإدارة، والأحياء الجامعية، والمنح، وغيرها من المصاريف.ض

ويضاف إلى ذلك ما صدر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي من رأي في مشروع مرسوم قدمه رئيس الحكومة السابق، يوم 13 شتنبر 2021، رأي عدد فيه المجلس ملاحظات كشفت عن انعدام الحرفية والجدية في الإعداد لمشروع الباشلور، وهو رأي انطلق فيه المجلس من الخطب الملكية والقانون الإطار، ونتائج الدراسات والأبحاث والتقييمات، التي قام بها المجلس لسنوات، لكل ذلك نعتقد أن إلغاء المشروع وارد جدًا، بل وواجب وطني حتى لا تضيع على هؤلاء الطلاب “الباشلوريين” زمنًا من حياتهم الطلابية، في ما هو فاشل منذ بدايات الإعداد.

فمنذ منتصف 2018، اشتغلت الوزارة الوصية بطريقة انفرادية في اتخاذ القرارات رغم التظاهر بإشراك  الأساتذة الباحثين، كما أنها اعتمدت في مجموعة من قراراتها في الموضوع على معطيات غير حقيقية، ومجانبة للصواب، ادعى أصحابها بأن الأساتذة منخرطون في المشروع بشكل جماعي، والحال أن الهياكل الجامعية كانت شبه مغيبة في مناقشة المشروع.

وهو الواقع، الذي نبه إليه المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، كما نبه إلى الخصائص المهولة في الموارد البشرية من أساتذة وإداريين، لمصاحبة مشروع من حجم الباشلور، فأين أساتذة اللغات الأجنبية من مثل الإنجليزية وهي الأساس، والإسبانية وغيرها، وأين أساتذة المهارات الحياتية، والذاتية التي من المفروض أن يتم تلقينها، وتعلمها في التعليم الأولي أولا، وصقلها في مستويات التعليم الابتدائي، والإعداد، والثانوي، وأين الجامعات مما يتطلبه نظام الباشلور الانجلوساكسون من مكاتب لكل الأساتذة الباحثين، وآليات، وتقنيات التواصل.

لكل ذلك، نحتاج اليوم إلى قرار سياسي للحكومة، عموما، والوزير، خصوصًا، ينهي مع هذا المشروع، الذي عرف هدرًا للمال العام في الاجتماعات، والتنقل آت، والدراسات.

 أي مصير ينتظر حوالي 23 ألف طالب تسجلوا في وحدات الباكالوريوس لحد الآن؟

حين يتم اتخاذ القرار السياسي، فإن أمر تدبير الملف تتكلف به الجامعات، ومؤسسات التعليم العالي، من خلال هياكلها المنتخبة، في مداولات بين الأساتذة، تستحضر كل المعطيات والمسارات، ونعتقد أن الحلول ممكنة، و لا يمكن للسادة الأساتذة الباحثين أن يساهموا في ضياع أي طالب من الطلاب.

 الارتباك هو السمة، التي ظلت تميز مشاريع إصلاح التعليم العالي في نظر خبراء، لماذا في رأيكم؟

ليس الارتباك بمعناه المتداول، لكن الأمر في اعتقادي المتواضع يلتصق بشخص الوزير، الذي يتحمل تدبير هذا القطاع، فالتعليم العالي قطاع استراتيجي بامتياز، و تدبيره يحتاج إلى اتزان، وصبر، ومعرفة دقيقة بقضاياه، فهو ليس شركة ولا إدارة عادية، إنه قاطرة التنمية في كل المجالات، فالأمر يرتبط بتدبير ما يقارب مليون و300 ألف شخص من خيرة أبناء الوطن، وأدواره تتعلق أساسا بإعداد النخب، وتكوين الأطر، وتطوير بنيات البحث، وتقوية العلاقات الدولية عبر المختبرات والندوات، واللقاءات، والدراسات، والبحث عن كل إمكانات التمويل الدولية، من خلال مشاريع واعدة في كل المجالات.

 هل بدأت تتضح بحسب رأيكم معالم إصلاح التعليم العالي؟ وهل ذلك ممكن؟

منذ استقلال المغرب عرفت منظومة التربية والتكوين 17 محاولة للإصلاح، والتصحيح من خلال اللجن و المواثيق، والقوانين، والتوافقات، وكلها سجلت نقطا إيجابية في مرات عديدة، لكنها لم تتمكن من تجاوز مظاهر الأزمة، ولم تستطع جعل التعليم العالي والبحث العلمي حقيقة قاطرة للتنمية في أبعادها الشمولية.

و نعتقد أنه بإصدار القانون الإطار، وضعنا الملف على السكة الصحيحة، وانطلقنا في الطريق السيار من أجل جامعة مواطنة منتجة للفكر، والمعرفة، ومكونة للنخب والأطر.

ولبلوغ ذلك، يبدو لنا أن منظومة التربية و التكوين عموما و التعليم العالي، خصوصًا، يجب أن تعرف رجة عميقة في كل المستويات، وفي مقدمتها موضوع الحكامة، التي يتغنى بها الجميع، لكن الواقع يؤكد انعدامها في كثير من الأحيان، وكذا مراجعة شاملة للقانون المنظم للتعليم العالي والحد من عمليات عدم احترام القوانين، في كل القضايا، والعناية الكبرى بالموارد البشرية من أساتذة باحثين، وإداريين ومستخدمين، والاهتمام بشؤونهم الاجتماعية في تكامل تام مع المجهودات، التي تبذلها مؤسسة محمد السادس للنهوض بالاعمال الاجتماعية للتربية والتكوين، وتنفيذ مقتضيات الجهوية واللامركزية واللاتمركز، وذلك بالتنفيذ الصارم لمقتضى استقلالية الأكاديميات  والجامعات، والمؤسسات، والكف عن التدخل المباشر للإدارة المركزية في كل كبيرة، وصغيرة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *