الثواني التي تقصف العمر

07 أكتوبر 2013 - 15:05

 

 ثم اكتشفت بعد سنوات أن الآخر الغربي لا ينظر إلى الوقت على أنه «كائن» مخيف بل يعتبره «مالا»( Time is money)، وأن الشاطر هو من يعرف كيف يحول «تكات» ثوانيه الرتيبة إلى مكاسب (سواء كانت مالية أو غير مالية).

إن الوقت لدينا كائن عنيف، عدواني، لا يرحم، بينما هم ينظرون إلى الوقت كمنجم من المكاسب من العار على المرء تضييعه خاصة وأنه مثل رمل أسطوري تتبخر حباته ما أن تنفلت من بين أصابعنا.

ولعل هذا التصور للزمن هو الذي يجعلنا نميل إلى استحسان تجنب الاصطدام به في امتداده، وهذا ما يجعل الكثير منا، بشكل لا إرادي تقريبا، يجنحون إلى تأخير القيام بالأعمال المطلوبة إلى آخر اللحظات. فحتى الحكومة، المفروض أن يكون لها تصور أفضل لتدبير الزمن المغربي، فضلت التخفف من ثقل هذا الامتداد واتخاذ قراراتها في آخر لحظة حتى تلك التي تهم الوقت نفسه. فلم تجد أي غضاضة في الإعلان عن تغيير التوقيت الصيفي والعودة إلى التوقيت «العادي» في لحظة ما، ثم بعد ذلك التراجع في آخر لحظة واتخاذ قرار تمديد العمل بالساعة الإضافية لشهر آخر. ولم تأبه البتة إلى كون جزء مهم من المغاربة استيقظوا الأحد الماضي وهم لا يعرفون كم الساعة بالضبط، ربما لأنها تدرك جيدا أن هذا الأمر لن يقلقهم كثيرا، فـ»الساعة لله» في نهاية المطاف !

يقال إن السياسة هي فن الممكن، ولكنها كذلك هي فن تدبير الزمن في امتداده كبساط لانهائي، وليس في تدبير اللحظة كما هو الحال عند مسؤولينا.. تدبير الزمن الحاضر وكأنه يتيم لا ماضي له، وعقيم لا يمكن أن لأي «مستقبل» أن يخرج من صلبه، أو في أحسن الأحوال يكون زمنهم رخوا مثل ساعات دالي.

فهم «لا يصدعون» أنفسهم بكل تلك الأسئلة المربكة التي طرحها الفلاسفة من أمثال سانت أوغيست، حول ماهية الزمن وكيف يمكن قياسه وتدبيره.

أما الآخر، المتقدم الذي نحاول عبثا أن نتبنى تصوره للوقت وتدبيره للزمن، فيتعامل مع الزمن، ليس كثوان تنثال عليه واحدة تلو الأخرى، بل كبساط سرمدي ولا يكتفي بالنظر إلى أين يضع قدميه وهو يخطو عليه، بل يرفع بصره دوما لاستشراف المدى الذي أمامه.

ولا أدعي أنني أسلم من شرك هذا التصور للزمن رغم وعيي به. وأعترف أنني أنتظر غالبا اللحظات الأخيرة لإتمام أعمالي كما هو الحال مع هذه السطور، ولا أعرف لماذا أجد صعوبة في التحرر منه وأنا أدرك أنني أؤدي ثمنا غاليا لان «الثواني التي تأتي من الوراء تقصف العمر» على حد تعبير شاعرنا الكبير الراحل أحمد بركات، ولا علاج لأثار هذا القصف، وليس أمامنا سوى التعود عليها.

 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي