إنّه من باب الإعجاز أن تطأ قدمنا سلم الحضارة والتنمية ونحن في هذا الدرك الأسفل. أَتَحَدَّاكُمْ أن تكون السياسة التعليمية عِنْدَنَا قد أفردت يوما ما منهجا لتدريس علم الخيل؟! لذلك تجد معظم جيلنا والأجيال التي تلته تعاني جهلا مطبقا. معظمنا لا يُفَرّقُ بين الفرس والبغل والحمار، بل يقع تقزيم وظيفة هَذه المخلوقات في حمل الأثقال تحت نيران السياط!
وللأسف الشديد، يفترض فينا –نحن دولة الإسلام– وقد ذكرت الخيل عندنا في القرآن الكريم، وأَحَبَّها الرسول الأمين، وتغنى بها امرؤ القيس وعنترة بن شداد والمتنبي، أن نوليها اهتماما زائدا.
بالله عليكم هل يمكننا الحديث عن ثقافة الخيل وهو غائب عن تصاريف حياتنا اليومية؟
عندما أجيل نظري في الأسواق الأسبوعية والطرق العمومية والمواسم الفلكلورية أشفق غاية الإشفاق على ما يعانيه الفرس من الآم وخيبة آمال، جوع وعطش وتعذيب وأوساخ لا تعد ولا تحصى. يتضاحك السائحون الأجانب وهم يشاهدون سائق العربة المغربي بفم فارغ من الأسنان ينزل بسوطه بكل ما أوتي من قوة على ظهر جواد أعزل.
ـ لا سكنى قارة للخيول عندنا!
ـ لا عناية طبية بها!
ـ لا ميزانية خاصة بتربيتها وتعليمها وتثقيفها
ـ لا معاش ينتظرها إذا تَعِبَتْ من حَمْلِ الأثقال، فإذا مرضت قُدّْمَت أكلا للسباع بحديقة الحيوانات أو نَتِنَ لَحْمُهَا بالمزابل.
في البلاد المتقدمة يكاد يكون لِكُل مواطن فرسه، كيفَّ المهندسون دور السكن الآدمي بما يسمح للخيول أن تسكن مَعَهُ بها!
وكأننا لا نبالي بما يحيط بنا: الشقق عندنا كأعشاش الطيور، كيف يجرؤ الفرد منا على أن يستضيف بها فرسا؟
لا بد أن تتحرك عجلة النهوض بهذا العلم: في المدارس العمومية والخاصة. لا بد من إعداد المؤطرين إعدادا جيدا لتدريسه علما وعملا!
لا بد من نهج سياسة اقتصادية تمكن أولادنا من الحصول على فرس بالتقسيط المريح، وسياسة سكنية تُغرِّمُ المقاولين الذين لا يلائمون مشاريعهم مع هذا العلم المهمل: فالخيول عماد المستقبل، ولا سبيل للتنمية بدونها!».
كان المحاضر جادا في ما يَقُولُ إلى أقصى الحدود، وقد ازداد تعاطفي معه وتقديري لمقترحاته عندما غادرت قاعة المحاضرات، وشاهدت بأم عيني الواقع المزري الذي نعيشه: شباب عاطل يقطع الطريق جيئة وذهاباً، مساكن آيلة للسقوط، آباء وأمهات يتدبَّرُونَ لقمة العيش بمجهود خرافي. كيف يستطيع هؤلاء أن يُشَاطِروا الخيول همومها ويَضْمَنُوا لَهَا عيشا كريما؟
أكاد أجزم بأن هذه الفئات لا تولي الخيل وعلمه أي اهتمام، فلا الآباء ولا الأبناء مولعون بها، لذلك سيبقى هذا العلم مغموراً ماَ لَمْ نَتول فعلا تدريسه بالمؤسسات التعليمية، وتشجيع المواطن على اقتناء الفرس وتربيته، وتفعيل ثقافة الخيل بكل سبيل، وَمُقَايَسَةِ الهندسة المعمارية بالقدر الذي يضمن للخيول مقاما مريحا ورعاية وصحة وتنمية. نحن تأخرنا كثيرا في هذا الباب.. ماذا ننتظر!
رئيس المنتدى المغربي للقضاة الباحثين