القتل بحكم العادة

17 أكتوبر 2013 - 23:28

وعبر طاحونة الإشهار الكبيرة وخلال آلة اللغة الجبّارة يتم دائما جر الإرادات من أعناقها، بل أحيانا يتم العمل بتقنية أدق تشتغل على الوعي واللاوعي. 

كل شيء يمكن أن يصير عاديا وطبيعيا، حتى تلك الأشياء التي تقرفون منها، تلك التي تجعل النوم عصيا والراحة أمنية، يكفي لذلك أن تكون عندنا آلة جيدة تعرف كيف تشتغل على التطبيع وتخبر بمهارة كيف تمرق لمساحة اللاوعي، هناك حيث كل شيء مهيء كتربة كريمة لاستقبال بذور تطبع بحذق.
يتحدث المغاربة عن «الزمان» عن «الوقت» وغالبا ما يلعنون أباه وليس أمه من هو هذا «الزمان» ومن أبوه؟ إنه ليس ابن حرام، لكنه يحوِّل حياة المغاربة لأفظع من الحرام.
 الثقافي الذي يتسلل لليومي وبوتيرة معينة يقدم نفسه مع الزمن كأمر عادي، كصيغة لا تثير انتباه أحد، لذلك، يمكن أن نعتبر أن أفظع أنواع الديكتاتوريات هي تحديدا، تلك التي نجحت في أن تحول القمع إلى عادة والسلطة والتحكم إلى أمر واقع.
القمع الخفي لا يحمل اسما، الديكتاتورية الماكرة يمكن تسويقها كنوع من الديموقراطية الذكية، تلك التي تصنع سلوكك بالليل وتقنعك بأنك لبسته طواعية في أول النهار. لنتذكر هنا جيدا أن إحدى وسائل التطبيع مع البشاعة والجريمة تكمن أساسا في ضخهما بشكل كبير، أمطر الناس بصور القتل، بالدم الذي يجري أنهارا، اجعلهم يعيشون يومهم على إيقاع الرصاص كخلفية موسيقية لرقصة الموت وسوف تحولهم لكائنات لا تستطيع أن تأكل دون رؤية حصتها اليومية من البشاعة والقتل.
إن التعامل مع العادات والتقاليد باعتبارها مرجعيات تحمي الاجتماعي وتعمق جذوره، أمر يقتل الحاجة إلى إعمال الفكر في اشتغال التطبيع كآلية في عاداتنا وتقاليدنا ومسلماتنا الاجتماعية ولنا في صورة عمل المرأة في المنزل مثال كبير على اشتغال التطبيع وعلى تحويل الثقافي ضمن سيرورة اجتماعية معينة ومسار تدليل إلى عادة أو مسلمة اجتماعية لا تقبل النقاش، فالطبيعي هو أن تهتم المرأة بالأشغال المنزلية والسؤال المهم هنا ليس هل ينبغي أن تعمل أو لا تعمل في المنزل، إن الجوهري أكثر هو سؤال كيف تحولت هذه المسألة من الثقافي إلى الطبيعي حتى أصبح السؤال عنها شذوذا وتهديدا لاستقرار اجتماعي وعصفا بتوازنات اجتماعية تقدم كضمانة للتماسك؟
المعطى الذي لم يعد يشير لجهة معينة والذي سميناه بالوقت والزمان، والذي يجابهه المغاربة عموما بعبارة: «عدي»، «سلك»…وكل مرادفات التجاوز هو مثال حي على التطبيع الذي يجعل من القمع وأثره أمرا عاديا لا وجه له ولا جهة، ذلك أن عدم تسمية الأشياء بمسمياتها وربطها بقدر سماوي أو وجودي أو دنيوي هو أحد الأشكال التي يراهن عليها التطبيع، بينما في الاتجاه المعاكس لهذا المسار، أي من الطبيعي للثقافي تتجلى الحقائق ويستطيع الناس الإشارة إلى دولة أو حاكم لا إلى لفظ عام هو الوقت أو القدر أو الزمن.
التطبيع مع الهزيمة، مع الذات في منحدرات الفشل، مع القمع الذي يمكر فيأخد السيف شكل وردة، وتتحول السياسة الفاشلة للدولة لجهة مقنعة اسمها الوقت والزمان، هو الذي يقتل الطبيعي باسم الثقافي، ويجعل للزمان أبا ولا يقول إنه سياسة دولة.
تبدو مقاومة التطبيع إذن شرط وجود وشرط حرية، فميزة الإنسان ليست في أنه يولد حرا، ميزته في قدرته على حماية حريته بالشك في كل عادي وطبيعي.
 

شارك المقال

شارك برأيك