ميزانية 2014 في علم الغيب

22 أكتوبر 2013 - 22:13

 القلة القليلة من نواب الأمة من تتابع مناقشات الميزانية العامة للدولة، في ظل قانون تنظيمي للمالية لا يعطي مساحات معقولة لسلطة البرلمان في مناقشة القانون المالي. فللمرة الثالثة على التوالي تعد حكومة بنكيران مشروع القانون المالي دون أن يسبقه قانون تنظيمي للمالية يصلح أعطاب القانون القديم، ويطور الرقابة على طرق صرف المال العام. الحكومة، كما سابقاتها، دائما تعلن أرقاما متفائلة في بداية السنة، ودائما ما تسوق «الارتياح» في أكتوبر ونونبر، ثم في مارس تبدأ في بيع خطاب الواقعية، وإلى أن نصل إلى أكتوبر حينذاك تبدأ لغة التبرير والإكراهات المقبولة وغير المقبولة من أجل تغطية العجز، الذي غالبا ما يفاجئ الحكومة، وحده البنك الدولي يملك سلطة على وزارة المالية وعلى الحكومة لا يملكها نواب الأمة، فالسنة الماضية تدخل هذا البنك وحذف 15 مليار درهم من ميزانية التجهيز بعد ثلاثة أشهر فقط من تصويت البرلمان على قانون المالية، فمن يحكم في الحالة هذه؟…

الحكومة تقول في مشروع القانون المالي لسنة 2014 إنها ستحقق نسبة نمو في حدود 4.2 في المائة، ونسبة عجز لا تتجاوز 4.9- في المائة… هذه أرقام في علم الغيب، فنحن بلاد لا تتحكم في مداخيلها ولا مصاريفها. كيف ذلك؟

إذا كانت سنة 2014 سنة ممطرة، وجاء المحصول الفلاحي جيدا، فيمكن أن نصل بسهولة إلى نسبة نمو تقارب الأربعة في المائة، وإذا كان الموسم الفلاحي، لا قدر الله، سيئا، فإن نسبة النمو لن تصعد فوق  2% بالقانون المالي أو بدونه.

الأرقام الحقيقية للميزانية في المغرب موجودة فوق السحاب أولا، وهي مرتبطة، ثانيا، بمزاح السياحة العالمية، وثالثا بنفسية المهاجرين المغاربة وتحويلاتهم إلى بلدهم، ورابعا بتقلبات أسعار الفوسفاط عالميا، وقبل هذا وبعده، بسرعة صعود أو هبوط أسعار برميل النفط في الأسواق العالمية، وهذه مرتبطة بالطقس الدولي وصراعات الشرق الأوسط، ثم طبعا بأحوال اقتصاد شركائنا الأوربيين. 

إن أحد أعطاب بلادنا البنيوية أننا دولة لا تتحكم في 80% من مداخيلها، ولا تتحكم في 90% من مصاريفها، التي يذهب جلها إلى ميزانيات التسيير والتجهيز ورواتب الموظفين وصندوق المقاصة… ثم تبقى تفاصيل صغيرة لا تؤثر على التوجهات الكبرى لبلاد ميزانيتها في علم الغيب.

لقد قالها المقيم العام الماريشال ليوطي قبل قرن: «المطر هو الذي يصنع السياسة في المغرب»، وأدركها الملك الراحل الحسن الثاني، حيث ذكّر هذا الأخيرمزيان بلفقيه، عندما عينه وزيرا للفلاحة، بأسس الدولة العلوية عندما قال له: «اسمع آآبلفقيه هذه الدولة قائمة على ثلاث ركائز: الفقه والحرب والأرض». الفقه يرمز إلى استعمال الدين في اكتساب الشرعية، والحرب ترمز إلى استعمال السيف والقوة لإخضاع الخصوم، والأرض ترمز إلى الفلاحة كمصدر أول للعيش.

ما لم نخرج من «غيبية القانون المالي»، وما لم ندخل عصر التخطيط الاقتصادي الحديث المبني على اكتساب موارد جديدة، وعلى سياسة مالية وضريبية توسع الكعكة الصغيرة ولا تكتفي باقتسامها، فمهما كنت عادلا لا يمكن أن توزع كعكة 10 أشخاص على مائة وتقول إنك أنجزت شيئا يذكر. ما لم نخرج من هذا المأزق فإن القانون المالي سيظل مجرد أرقام يحملها الوزير فلان  أو علان إلى البرلمان، لا فرق.

شارك المقال

شارك برأيك