بنكيران.. بين العمى وقِصَر النظر!

01 نوفمبر 2013 - 12:48

كثيرا ما أجدني أردد هذه العبارات مع الأديب الكبير أمين معلوف، على لسان «آدم»، بطل روايته «التائهون»، خصوصا في «عز» هذا التيه  الذي يعاني منه ذلك الشرق المثخن بالجراح والمثقل بتناقضاته، وغير المختلف، كثيرا، عن هذا المغرب «التالف» بين الديمقراطية والاستبداد، بين الحرية والقمع، و«الأصالة» و«الحداثة»، وكل «الازدواجيات» التي تصنع «الاستثناء المغربي»، وعلى رأسها ازدواجية الغنى الفاحش والفقر المدقع. 

لقد تتبع المغاربة منذ الاستقلال الهجمة التي كانت ضحيتها «الطبقة الوسطى» والتي توزعت، عموما، بين رومانسية ثورية يسارية أو توجهات إسلامية مُستَنْبَتة بالتربة المغربية، فكان اختيار المخزن العتيد أن يتم «إغناء» بعض رموزها بسياسات مرحلية كالمغربة، أو سياسات مستمرة مثل اقتصاد الريع، أو «تفقير» الباقي، من خلال غلاء المعيشة والضرائب، ليتحول همُّ هذه الطبقة من العمل السياسي إلى مطاردة الخبز اليومي! واستمرت الأمور في تردّيها، إلى أن جاءت حكومة «التناوب التوافقي»، وكان أغلب وزرائها من هذه الطبقة الوسطى، الذين طالما ركبوا أحلام الاشتراكية ودولة الرفاه، ليُركِبوا معهم المغاربة في سفينة «إنقاذ» مغرب الحسن الثاني من السكتة القلبية، فاختفى التوجه الاشتراكي من الألسن، وظل «التوجه الاجتماعي» حبرا على ورق، تحت الهاجس المتضخم للحفاظ على التوازنات المالية الكبرى، وكان أن انضمت جحافل من الطبقة الوسطى إلى طبقة المعذبين في الأرض… في خضم هذه الفترة، استشعر القصر خطورة الإجهاز على الطبقة الوسطى، فكان خطاب العرش لسنة  2008 واضحا، إذ أكد الملك محمد السادس على إرادته «في ضرورة أن يكون الهدف الاستراتيجي لكافة السياسات العمومية هو توسيع الطبقة الوسطى، لتشكل القاعدة العريضة وعماد الاستقرار والقوة المحركة للإنتاج والإبداع». إشارةٌ لم تلتقطها حكومة عباس الفاسي التي أورثت من سيأتون بعدها، من الوافدين الجدد على تدبير الشأن العام، عجزا تجاوز 6 في المئة، وهو الثمن الذي اشترت به نوعا من السلم الاجتماعي لم يدم طويلا، وكان موجها للطبقات الكادحة، لكن دون فائدة تُذكر لصالح الطبقة المتوسطة، التي تجاهل الجميع أنها هي «القوة المحركة للإنتاج والإبداع».

وجاءت حكومة عبد الإله بنكيران، ذات «ربيع عربي»، وحملت في مركبها كثيرا من وجوه الطبقة الوسطى، لكن، في هذه المرة، جاء الدور على من كانوا يحملون شعارات «الإسلام هو الحل»، وكانت حصيلة النسخة الأولى من الحكومة نصف الملتحية صفرا لصالح الطبقة المتوسطة، رغم أنني أجزم أن هؤلاء هم من حملوا بنكيران وإخوانه إلى «المشور السعيد»، الذي دخلوه بسيارات الطبقة الوسطى وهمومها وخرجوا منه بالسيارات الفارهة وبمعانقة مشاريع الطبقة المخملية، حيث لم يعد رئيس الحكومة يلهج إلا بتحسين مناخ الأعمال! أما النسخة الثانية من الحكومة، التي استحالت إلى «ربع ملتحية»، فكانت واضحة في توجهها، ليس فقط، في حماية مصالح الكبار، بل ضمّت إليها حزب «الزُّرق»، وهو رمز هذه الطبقة، واستوزرت منه بعض علاماتها البارزة، ليُطرح السؤال الآن، من سيدفع ثمن هذا التحالف بين الإسلاميين والأثرياء، الذين لا يعانون فقط، من «قصر النظر» الذي يجعل هاجسهم الأكبر هو حماية مصالحهم على حساب الطبقات الأخرى، بل يعانون من كثير من الجشع، وهذا ما تأكد بعد ظهور مشروع قانون المالية لسنة 2014 والذي جاء ليلبي كثيرا من مطالبهم، لكنهم أعلنوا دون أن يرف لهم جفن «هل من مزيد»؟!

«قصر نظر» الأثرياء يجعلهم لا يلقون بالاً للسلم الاجتماعي وتوزيع الثروة، ولا إلى «عمى» الجائعين من الفقراء والعاطلين، لأنهم ألفوا الحماية من الدولة، بل العيش في أكنافها وفي الظلال الوارفة لريعها، وبما أن مصالحهم تتعارض مع مصالح الآخرين، فإذا حموا أموالهم من الضرائب والتكاليف المالية المختلفة، فإنها ستتحول بالضرورة إلى الطبقة الوسطى، فمن يضمن أن تحافظ، حينها، على «نظرتها المتبصِّرة»؟

شارك المقال

شارك برأيك
التالي