دولة مدنية

04 نوفمبر 2013 - 21:43

 نعم، لقد كان المفهوم سابقاً بعقود عن أحداث 2011، لكنه ما كان ليحظى بمثل هذا الإنتشار والتداول والحضور العمومي لو لا سياق هذا «الربيع».

حضورٌ يبدو في الواقع كمُوازٍ موضوعيٍ لغياب مفهوم آخر عن التداول العام؛ ليس سوى: العلمانية!

حيث لم يفض أزيد من قرن على ولوج الفكرة العلمانية إلى ساحة الفكر العربي، سوى على تكريس التباساتها كدعوة فكرية، وعزلتها كاختيار سياسي، وإذا كانت جبهة الحداثة داخل خريطة التيارات الفكرية العربية المعاصرة، لم تُجمع على تبنيها كأحد مقومات النهضة الممكنة، إما بدعوى أنها فكرة مستوردة (برهان غليون)،أو أنها ليست مطابقة للحاجة التاريخية العربية، مثل مطلبي الديمقراطية والعقلانية (عابد الجابري)، فإن الرهان على مسار «علمنة موضوعية صامتة» قادرة على فرض طابع «الزمنية» على الدولة الوطنية، قد تعرض بدوره لفشل ذريع!

وهذا ماجعل الجهود الفكرية المنافحة عن مشروع العلمانية، تعيش على إيقاع تصاعد التقليد والمحافظة والإسلام السياسي داخل المجتمعات العربية، سياق جعل العلمانية تصبح بتعبير جورج طرابيشي كلمة «رجيمة» في سوق التداول المفاهيمي العربي.

وربما مثل هذا الوضع، هو الذي قد يكون جعل التيارات التقدمية، داخل ساحات التغيير العربية، تشاطر التيارات الإسلامية  شعار الدولة المدنية.

شعار يحفظ للعلمانيين دفاعهم عن مجال سياسي بشري، ووضعي، تسوده النسبية وشرعية الإقتراع العام، ويجنبهم صدامية الدعوة المباشرة للعلمانية، ويجسد خطوة مهمة في إطار مراجعات وتكيف الفكر السياسي للحركات الإسلامية، مع متطلبات تدبير الشأن العام.

لذلك، يمكن قراءة مطلب الدولة المدنية على ضوء السياق السياسي، كمفهوم توافقي تعزز في ظل ملابسات تقارب العلمانيين والإسلاميين داخل ساحات الربيع العربي.

على أن الإختبار الأول لهذا التوافق كان هو لحظة كتابة دستور «أنظمة» ما بعد الربيع العربي، حيث برزت قضايا الهوية، وتوصيف الدولة في علاقة بالدين، وموقع الشريعة في عملية صناعة القوانين، إحدى أسئلة دستورانية الربيع العربي!

 على أن الطابع التكتيكي والسياسي لمضمون هذا «الشعار المرحلي»، سيبرز قابليته الكبيرة للتأويل، خاصة من طرف بعض تيارات الإسلام السياسي والتي دافعت مثلاً عن تصور الشيخ القرضاوي الذي تحدث على «الدولة المدنية بالمرجعية الإسلامية».

وهنا، فإن هشاشة المضمون السياسي الذي تم إعطاؤه لهذا المفهوم، ترجع في الوقت نفسه لارتهانه بمعطيات السياق السياسي، خاصة مع تحول وحدة «النضال الميداني» بين الإسلاميين والعلمانيين، إبان الربيع العربي، إلى شرخ كبير أثناء تدبير دولة ما بعد الربيع.

وهو ما يجعل الأسئلة العميقة حول علاقة الدين بالسياسة، والحداثة السياسية والإصلاح الديني والمواطنة، تعود لتظهر من جديد، كاشفة الحدود التي يحملها مفهوم «الدولة المدنية» نفسه. 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي