منذ زمان طويل، ربط الغرب حدوده بحدود الحداثة. والحال أن هذه الحدود ملتبسة، كما تقول في كتابك…
نعم. تتحد المجتمعات الحديثة، تلك المتحركة، بالممارسات، وبتمثل ذواتها أيضا. ففي العصر الوسيط، كان المجتمع يفكر في ذاته بواسطة الدين. ومثلما فكر القرن السابع عشر في المجتمع بواسطة السياسة، فإن القرنين التاسع عشر والعشرين فكرا فيه بواسطة المجتمع، حيث لم يتوقف هذا القرن الأخير عن الحديث عن المشكلات الاجتماعية. إذ أطل علينا المجتمع «الاجتماعي» بدولة الرفاه و»السنوات الثلاثين المجيدة» (1945- 1973). أما المجتمع «الاجتماعي»، الذي يتحدد بالعمل والطبقات الاجتماعية والفعل التحويلي، هو عالم حدود اليوم. ولأن هذا التحديد لم يعد قائما، فقد قوضته رأسمالية لم تعد مصنعة، بل مضارباتية ومعولمة، كما قوضته دول أو شبه دول شمولية. وفي مواجهة هذا، لم يبق سوى بضع أشخاص فقدوا القدرة على الفعل.
لم يعد الاجتماعي حاملا للمعنى، حيث يصعب على عالم الاجتماع القول بهذا. ولكن، هكذا الأمر… ومع ذلك، أبقى متفائلا. في السابق، كانت المجتمعات تنظر إلى نفسها باعتبارها مصدر حريتها الخاصة. واليوم، وأمام انهيار العالم الاجتماعي وهيجان العنف المعادي للديمقراطية عبر العالم كله، أعتقد أنه ينبغي الوثوق بالإنسان ذاته، وبقدرة على الإبداع والتحرر. والتجربة الشمولية تثبت ذلك، حيث أظهرت قوة المقاومين، والمنشقين، وكل الأشخاص الذين يخوضون تجربة الفعل الإرادي. لذا، أرى العودة إلى الفكرة التي تبدو عتيقة جدا: حقوق الإنسان.
في كتاب «نهاية المجتمعات»، يبدو أنه يثبت خطا جديدا لأفق الفعل التحرري. هذا الخط الجديد هو الأخلاق…
بالطبع، إنها الأخلاق والحقوق الأساسية. اليوم، على أي أساس يقوم رد فعلنا، عندما نقرأ «لوموند»؟ على غرار النقمة والسخط، والفضيحة، حسب خط تشاركي هو خط الخير والشر. في السابق، كان رد الفعل هذا يتم دفاعا عن المصالح، مثلما يقوم به البريطانيون في الوقت الراهن، ومن حقهم ذلك. غير أن ما هو غائب اليوم هو تأكيد هذا الرد، بمنأى عن الحقوق الاجتماعية والثقافية وحقوق الأساسية، أي الحقوق الكونية. إذ يناهض الأشخاص الإهانة بغية تحقيق كرامتهم. هكذا، يعاش الكوني بشكل ملموس.
لطالما أردت كتابة تاريخ القرن الحادي والعشرين، باعتباره قرن دمقرطة العالم. فهذا الماراثون نحو الديمقراطية سينطلق من «تيانانمان»، وسيمر عبر «الربيع العربي» وبيرمانيا، باختصار عبر كل الكفاحات التي تحرر الروح الديمقراطية في صيغة الحركات الاجتماعية والسياسية، لأن الديمقراطية ليس مجرد مؤسسات، كما اعتقد الغربيون. فالناس لا يقتلون من أجل فصل السلط فقط، وإنما يقاتلون من أجل اكتساب الحقوق. إذ لن ترتبط الديمقراطية بهيمنة الغرب، بل ستكون كونية على نحو أعمق. بل إنني أخشى، على مستوى جبهة الديمقراطية الفاعلة، أن يتخلف الغرب عن الركب، وأن يطمئن إلى الروح التدبيرية والدفاعية، باختصار، ألا يعود مشغوفا بالديمقراطية. لكن القرن الذي يبدأ سيكون، على المستوى العالمي، هو قرن انتصارات الديمقراطية.
بناء على هذا السبب، وعلى هذه الواجهة الأخلاقية، تعتبر النساء فاعلات أساسيات في الحركة الديمقراطية. فلأنهن حرمن من الحقوق، أصبحن فاعلات رئيسيات في إعادة بناء التجربة المعيشة التي هي القدرة على الفعل بكل شخصيتها وجسدها وروحها.
عن «لوموند»