شيزوفرينيا الدولة

19 نوفمبر 2013 - 23:59

 ذلك أن هناك مؤامرة تتلخص في صناعة حرية تجد نفسها في مواجهة ذوات مختلفة يكبلها قصورها وتعطلها الحواجز عن إدراك جوهرها، حواجز متحكم فيها بدلالة سلطة غربية تمسك بالخيوط كلها وتبرمج للتوقيت والمسار بحنكة وعلو كعب.

مناسبة هذه التوطئة متصلة بتدبير الغرب عموما لملف الصحراء من وجهة حقوقية، تدبير لا يتساوى فيه بأي حال كل من له حق، فالحق هنا يتصل بمرجعيته ومنبته، والذين يدركون عن قرب ملف مصطفى سلمى وملف الأوضاع الحقوقية في تندوف يقفون على ازدواجية غريبة وحادة تشطر الحق نصفين وتصنع للعدالة وجهين. للغرب حق التناقض، حق بناء مساحة ملتبسة تجد طريقها للتسويق، مساحة يتعايش فيها بغرابة شديدة كل ما يتصل بازدواجية المعايير وتناقضها واختلاطها. لكن هذا الحق ليس متاحا للجميع، إنه مثل حق الفيتو يقتصر على دول راشدة منحت امتيازها وبلوغها من تاريخ كتب بعناية كي يوزع الأعطيات وفق منطق الولاء.

لدى المغرب إحساس بأنه مُراقَب، ثمة عين متسعة – اتساع الغرب- ترصد كل صغيرة وكبيرة، آلة تحصي الأنفاس وتراقب ضغط الصحراء ونبضها، هذا التبئير الدولي، هذه «الزوم» المستفزة تحمل السياسة المغربية الرسمية على أن تتورط في منطق محاباة، عناية زائدة مفرطة بالصحراء. عناية تفتح مشهد قصة يوسف على مصراعيه، يوسف الصحراوي، الذي لا يختلف إخوته المغاربة على جماله ونبله، ولا يتناقشون حول بديهية بذرته التي نبتت في التربة نفسها وكبرت تحت السماء نفسها وتشربت من ذات الكيان ورضعت من الثدي نفسه. إخوته في الشمال وفي الوسط في السهل والجبل، وفي كل فج عميق يستسقون حبا ويسألون الوطن إلحافا.

جسد المنظومة الحقوقية جسد حي نابض لا يقبل التمييز حتى لو كان تمييزا إيجابيا، ذلك أنه لا تراتبية في حب الوطن، والعلاقة بالدولة تقوم على عقيدة التوحيد ليس فقط، في الدين، بل في الوطنية والولاء للشمس التي تشرق في صباحنا المغربي المشترك، الشمس التي توقظ الجبل وتمسد جسد السهل وترقص على إيقاع الصحراء.

يؤمن المغرب الحديث بما يسميه ميشيل فوكو ناموس الأخلاقية Code ethics،  تلك الإمكانية الواسعة لبناء أخلاقيات كونية تتكامل بشكل غني مع المقاربة الكانطية القائمة على حقوق الإنسان والمبادئ العامة ومع المقاربة النفعية المستلهمة لبناء أفق لذة مشترك. هذا الإيمان العميق يفترض أن يقف المنصفون ضد أي تبسيطات في سياسات الهوية، تلك التي تحول الهوية إلى منتوج سياسي يدخل البورصة ويخضع لمنطق المزايدة ولرياح التأثير الداخلية والخارجية ولمنطق الإغراءات والتدبير الفئوي الضيق للحاجات الاقتصادية والاجتماعية. فالعمل مثلا، حق مستعرض، لا يتعلق بفئة دون أخرى، ولا يدخل أبدا في منطق الاستمالة أو الضرورة الاقتصادية الخاضعة لتدبير سياسي.

 الوحدة تعني سياسة كأسنان المشط، سياسة مساواة حقيقية تضع المغاربة، كل المغاربة، لأنهم مغاربة في أفق واحد. إن ابنا يحظى بعناية خاصة من قبل والديه قد يباغتهما يوما بالسؤال: ألست من صلبكما؟ أين حقي في الوجع وحقي في الألم ولذة مشاركة البناء؟ الحقوق لا تتجزأ ولا تخضع أبدا للجغرافيا، التنمية يستحقها الجميع و بالحماس نفسه وبالإصرار ذاته. جسر الهوية تِرياق، والتمييز، فاكهة الخطيئة، والمغرب من طنجة إلى لكويرة مغربنا، مغرب واحد، فلا تلقوا في الجُبِّ أحدا.

 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي