خاصة عندما فاجأت أمريكا المغرب قبل أشهر عندما وضعت توصية في مجلس الأمن باسمها تدعو إلى توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، وهو مطلب الجزائر والبوليساريو في الأصل، وهو الأمر الذي صدم الرباط، وأدخل الشكوك إلى صدرها حول بواعث هذا الانحياز إلى طرف دون آخر في صراع إقليمي معقد.
هل لإدارة أوباما موقف جديد إزاء نزاع الصحراء غير ذلك الذي كان للإدارة الجمهورية؟ الجواب هو لا، والدليل هو هذه الفقرة من البيان المشترك الأمريكي المغربي الذي صدر عقب اللقاء بين القائدين:
«تعهد الرئيس باراك أوباما بمواصلة دعم الجهود الرامية إلى إيجاد حل سلمي ودائم ومقبول من لدن الأطراف لقضية الصحراء. وتماشيا مع السياسة الأمريكية الثابتة على مدى سنوات عديدة، فإن الولايات المتحدة أكدت، بشكل واضح، أن مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب هو مقترح جدي وواقعي وذو مصداقية، ويمثل مقاربة ممكنة من شأنها تلبية تطلعات سكان الصحراء إلى تدبير شؤونهم الخاصة في إطار من السلم والكرامة».
هذه الفقرة تعد مكسبا سياسيا ودبلوماسيا كبيرا، وهي تعني أن واشنطن مازالت مقتنعة بإمكانية التوصل إلى حل سياسي لنزاع الصحراء، على متن مشروع الحكم الذاتي الموسع للصحراويين، مقابل أن تظل الصحراء ضمن السيادة المغربية، لكن في الوقت نفسه أمريكا لا تعطي شيكات على بياض لحلفائها، بل إن موقفها هذا المساند للمقاربة المغربية لحل النزاع الأشهر في القارة السمراء مشروط بتحقيق عدة التزامات، وكلها مسطرة أسود فوق أبيض في البيان الختامي الذي لا يترك إمكانية التأويل أو الغموض لأحد.
الفقرة حول الصحراء في البيان الختامي سبقتها فقرتان، الأولى تحت عنوان: «دعم الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية»، ثم الثانية وعنوانها «التعاون الاقتصادي والأمني». المعنى واضح، إذا أردتم موقفا مساندا لكم بحذر في ملف الصحراء فعليكم أن تلتزموا بمسار التحول الديمقراطي، وأصول الحكم الجيد داخليا، والعمل على تحرير التجارة وفتح الأسواق ورعاية المصالح الأمريكية في بلادكم، ثم وضع يدكم في يد العم سام من أجل مكافحة الإرهاب في المنطقة وفي العالم. هذه هي قواعد اللعبة في العلاقات الدولية، خاصة عندما نكون إزاء علاقة قوة عظمى ببلد صغير، هناك المصالح ولا شيء غير المصالح.
أوباما يقول للمسؤولين في المغرب: «إننا معكم في ملف الصحراء، في هذا الظرف، شريطة أن تكونوا مع حماية حقوق الإنسان في الصحراء والمغرب عموما، وأن تضمنوا عيشا كريما للصحراويين فوق أرضهم، وأن تبحثوا عن حل سياسي يرضي كل الأطراف، وأن تلتزموا بالدستور الجديد، وبمسار الإصلاحات الديمقراطية، وبالمساواة بين الرجل والمرأة، وبتوفير الشغل للشباب، وبالتجند لمحاربة التطرف في بلادكم وخارجها».
لماذا كل هذه الشروط؟ وهل أوباما رئيس دولة أم أستاذ يعطي الدروس للآخرين؟ وهل إدارته مكلفة بحماية مصالح بلدها أم بالدفاع عن مبادئ الديمقراطية والحداثة الغربية؟
الإدارة الأمريكية ترعى مصالحها أولا، في كل مناطق العالم، لكنها تفعل ذلك برؤية ومخطط وتصور استراتيجي، فتعتبر أنها تربح أكثر مع أنظمة مستقرة وليبرالية وترعى حرية السوق التجاري والسياسي، وترى أن حماية حقوق الإنسان وحرية الصحافة والتعددية الحزبية وتنظيم الانتخابات واستقلالية القضاء وإشراك الشباب في النسيج التنموي، كل هذا يقلل من إمكانية ضرب الاستقرار وتشجيع التطرف. هي إذن مصالح وليست مبادئ.
ما هو المطلوب الآن من المغرب وقد ربح جولة ومازالت أمامه معركة كبيرة مع الجزائر أولا، ومع البوليساريو ثانيا، ومع النموذج التنموي والسياسي الفاشل في الصحراء ثالثا، ومع بوادر العودة إلى المربع الأول في ما يخص الإصلاحات السياسية رابعا؟
ليست هناك خلطة سحرية، هناك فقط عمل دؤوب، وإرادة سياسية حازمة للتقدم إلى الأمام، وإدخال البلاد تدريجيا إلى نادي البلدان الديمقراطية، وتحمل كلفة شراء بطاقة الدخول هذه، لأن مسار التحول الديمقراطي لم يعد مرتبطا فقط بميزان القوى بين الأحزاب والقصر، ولا بمعارك الشد والجذب بين القوى الإصلاحية والقوى الجامدة. مسار التحول الديمقراطي أصبح اليوم مرهونا بربح مغربية الصحراء، وكلما تقدمنا في مسار الدمقرطة سنربح نقطا مهمة في خانة تعزيز الوحدة الوطنية.. ألا يستحق هذا الهدف المقدس أن تضحي الأطراف كلها من أجله؟