بنكيران وكاميرون والعروي والمخزن 

02 ديسمبر 2013 - 21:08

 عندئذ طلب كاميرون من عاملة المقهى الإسراع في عملها لأنها أخرته، فما كان منها إلا أن علقت على رئيس الوزراء قائلة: «عليك الانتظار مثل الآخرين حتى يحين دورك».

في حادثة أخرى ذهب السيد كاميرون ليتفقد مستشفى في لندن، وأثناء حديثه مع المرضى جاء الطبيب غاضبا، ثم قام بطرد المصورين المصاحبين لكاميرون لأنهم لم يلتزموا بقواعد التعقيم قبل الدخول على المرضى.

هكذا يعامل الإنجليز رئيس وزرائهم، والسبب في ذلك الثقافة الديمقراطية التي لا تعتبر رئيس الوزراء قائدا ملهما ولا رمز الأمة ولا كبير العائلة، إنه موظف يقوم بعمله ويتقاضى أجرا ماديا وتعويضا معنويا، والباقي لا قيمة له.

الديمقراطية الحديثة أزالت عن السلطة الهيبة والجبروت، وقضت على خوف الناس من أصحابها، وجعلت الوزير والرئيس وقائد الشرطة والجنرال ومدير المخابرات ومراقب الضرائب… كلهم موظفين عند الشعب يتقاضون أجرا مقابل خدمة، ويتصرفون بمقتضى القانون لا بالمزاج والمصلحة الذاتية والطغيان… السلطة الحديثة وجدت لتنظيم الاجتماع البشري وليس لقهر المواطن، بل لخدمته. والسلطة ليست هالة لإرضاء النفوس المريضة، لكنها طريقة في إدارة شؤون المجتمع، صاحبها مفوض تفويضا محددا للقيام بمهمة محددة وفق الإجراءات والقواعد والتقاليد، وكل من خرج عن السطر، هناك قضاء نزيه، وإعلام قوي، هذه هي أصول اللعبة التي قادت الغرب اليوم إلى التقدم والرقي، وهذه هي الثقافة التي جعلت عاملة القهوة ترد على كاميرون وهو يستعجلها.

تذكرت هذه الحادثة وأنا أقرأ في عدد نهاية الأسبوع من هذه الجريدة خبر توقيف المجلس البلدي للرباط أشغال الإصلاح التي باشرها عبد الإله بنكيران في بيته في حي الليمون قبل أسبوع، وذلك لأنه لم يستخرج تصريحا من سلطات مراقبة البناء قبل مباشرة الإصلاح في بيت زوجته السيدة نبيلة بنكيران. هذا سلوك إيجابي من السلطات في الرباط أن تقدم على توقيف أشغال البناء في بيت ثاني شخصية في الدولة، وشيء إيجابي أيضاً أن يمتثل رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، للقانون، وألا يركب رأسه ويتحدى القانون، لكن مع ذلك لا بد من طرح سؤال بريء: لو تعلق الأمر بشخصية أخرى أو بوزير آخر ممن يسمون بوزراء السيادة، أو مسؤول كبير أو جنرال أو من على شاكلته، هل كانت سلطات الرباط تقدر على طرق بابه للاستفسار عن مدى احترام القانون؟

هناك اليوم في المغرب أحياء كاملة مبنية خارج القانون، وأدوار عدة فوق العمارات بدون ترخيص، وشركات كثيرة مسجلة في الصحراء وهي تشتغل في البيضاء للتهرب من أداء الضرائب، وهناك صفقات بالمليارات أعطيت للأصدقاء والأحباب والعائلة بدون طلب عروض، وهناك وهناك خرق للقانون بالجملة ولا أحد يتحرك لوقفه أو حتى للتنديد به…

ليست الدولة وحدها مسؤولة عن احترام القانون ووضع السلطة في إطارها المعقول، المواطن هو نفسه مسؤول عن ثقافة «تأليه» المسؤولين وكبار رجال السلطة. للمغربي علاقة معقدة بالمخزن، فهو من جهة ينتقده ويتأفف من الجوانب السلطوية فيه، ومن جهة أخرى يسعى إلى التقرب منه وتبجيل رموزه والاستفادة من القرب منه، بل وتقليده والتشبه به. 

مرة التقيت المفكر عبد الله العروي في أحد فنادق الرباط، وكان موضوع اتساع نفوذ الهولدينغ الملكي (أونا آنذاك قبل أن تختفي وتحل مكانها «SNI» في الاقتصاد المغربي) هو موضوع الساعة، فسألني: «هل تعتقد أن برجوازية الدار البيضاء لو عرض عليها مسؤولو هذا الهولدينغ أن تشاركه مشاريعه وصفقاته وشركاته، هل تراها تقبل بالأمر أم ترفض وتقول إن الريع لا يستهويها؟». لم أجب عن السؤال لكن المؤرخ أجاب عنه بالقول: «إنهم لن يترددوا في الارتماء في أحضان المخزن الاقتصادي، كذلك كان أجدادهم ومازالوا هم على المنوال نفسه اليوم، الموجة إذا لم تجد حاجزا تقف عنده فإنها تتمدد وتسري، كذلك وضعنا اليوم».

 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي