محمد الأشعري: الثقافة ضد ضحالة السياسة

06 ديسمبر 2013 - 21:07

 فمنذ الخطاب الملكي حول التعليم، أصبح في حكم المعروف والمعلن رسميا أن نظام التربية والتكوين رغم الميثاق، ورغم البرنامج الاستعجالي، ورغم تعاقب عدد من السياسيين على تدبيره، قد وصل إلى الباب المسدود.

لماذا إذن لم نرتب على هذا التشخيص أي عمل مؤسسي في دولة تقول عن نفسها، بمناسبة وبدون مناسبة، إنها دولة المؤسسات؟

لماذا لم تقدم الحكومة تصورها لإصلاح هذه الأوضاع؟

لماذا لم يلتئم البرلمان لمناقشة هذا «الفشل الذريع»؟ 

لماذا لم يحقق القضاء في تبخر أموال البرنامج الاستعجالي؟

ولماذا لم نبدأ من السؤال الأساس: لماذا فشل إصلاح التعليم في المغرب؟

هل كان ذلك لأسباب تتعلق برؤية الإصلاح ومضمونه؟ ومعنى ذلك أن الميثاق الذي نقول عنه كل خير هو الذي كان خطيئتنا الأولى، لأن كل طرف وضع فيه ما يناسبه دون أن يناسب ذلك بالضرورة ما تتطلبه المدرسة المغربية. عند ذلك يجب أن نقر بشجاعة بأن الميثاق غلط ومنهجية وضعه غلط.

هل كان الفشل لأسباب تدبيرية؟ هنا لا يمكن أن نبقى سجناء المبهم والسطحي. إذا كان التدبير سيئا من الناحية السياسية، فتجب محاسبة المسؤولين عن ذلك شعبيا وإعلاميا داخل المؤسسات وعلى رؤوس الأشهاد، لأن السكوت على خطأ سياسي فادح يسمح للمخطئين بالذهاب في صمت ثم العودة في صمت لإعادة إنتاج نفس الأخطاء الفادحة.

وإذا كان التدبير السيئ قد تضمن أيضا تبديدا للأموال العمومية، وإهدارا لها في تجربة ارتجالية أرجعت القطاع إلى نقطة الصفر، أي إلى ما قبل انطلاق الإصلاح، فتجب محاكمة الضالعين في هذا التبديد والإهدار أمام المحاكم وليس في أي مكان آخر.

إذا كنا نتصور أن المغرب سيقبل مرة أخرى على برنامج إصلاح لمنظومة التربية والتكوين.. برنامج يتطلب تعبئة أموال عمومية، واتخاذ قرارات جريئة في ما يخص قضايا اللغة والتمويل والجهوية والتأطير، وما إلى ذلك، فإننا لا يمكن أن نفعل ذلك بطي صفحة الإصلاح الماضي، وفتح صفحة الإصلاح الجديد وكأن شيئا لم يكن، كيف إذن سنحافظ على مصداقية الإصلاح؟ وكيف سنقنع الشعب المغربي بأن هذه المرة هي المرة الصحيحة؟ وكيف سنجعله يقبل إجراءات قد لا تكون مطابقة تماما لما ينتظره ويتمناه؟

لا شك أن «منهجية وضع الإصلاح» هي الإشكالية التي تؤرق بال الكثيرين، هل نجمع الأحزاب والنقابات والجمعيات ومجالس العلماء وغيرها لنضع مرة أخرى ميثاقا جديدا مليئا بالمبادئ العامة؟ هل نجرب اجتهادات تقنية متخصصة في هذا الموضوع أو ذاك؟ هل نترك للحكومات مسؤولية سياساتها القطاعية، بما في ذلك ما يهم التربية والتكوين؟ 

إنها أسئلة تفسر إلى حد ما لماذا تُوجَّه أو تتطوع هنا أو هناك جهات تسمح لنفسها بالخوض في ما لا تخوض فيه المؤسسات في واضحة النهار، وليس هناك عيب في ذلك، إذا كان المقصود هو إثارة نقاش عمومي حول قضية وطنية شائكة لا يمكن للمقربين السياسيين أن يستفردوا فيها برأيهم، فلا بأس من إطلاق بالونات اختبار لإثارة النقاش العمومي وليس لتحضير قرارات خطيرة تُطبخ في الخفاء.

يجب أن نسجل إذن أن هذا النقاش قد حصل فعلا، وبشكل لم يسبق له مثيل، وتميز بخاصيتين في غاية الأهمية، أولاهما أن المثقفين، لا السياسيين، هم الذين كانت لهم الكلمة الفصل في الدفاع عن اللغة العربية، وثانيتهما أن هذا الدفاع كان مستندا إلى رؤية حداثية عقلانية وليس إلى رد فعل تقليدي محافظ. وقد أتيح لنا أن نتعلم كثيرا من الأشياء، ونفتح أعيننا على كثير من الحقائق على يد مفكرين ومبدعين كبار، يكفي أن نذكر منهم عبد الله العروي، عبد القادر الفاسي الفهري، ومحمد بنيس، وهؤلاء فضحوا ما تنطوي عليه الدعوة إلى التدريس بالعامية من احتقار طبقة من المترفين تعلم أبناءها في مدارس البعثات الأجنبية، وتقرأ المنتوج الأدبي الأجنبي دون سواه، لأبناء الشعب الذين تريد أن تنفيهم خارج عالم التواصل والمعرفة، وخارج جذورهم الوجدانية والمعرفية.

بل أكثر من ذلك، برهنوا على أن العربية ليست فقط اللغة الأكثر فعالية للتعلم، بل هي أيضا وعاء إنتاجنا الفكري والأدبي، وهي بهذه الصفة جسر لا غنى عنه مع محيطنا العربي، وحظنا الوحيد للاندماج في الإبداع العالمي.

 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي