فــي انتظار الربيع الفلسطيني

16 ديسمبر 2013 - 21:16

 يجد جذوره وأحد أهم تجلياته في تجربة الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني كتنظيم مدني عريق وتجربة رائدة في التضامن العربي، أُضيف إليها عدد آخر من الأشكال التضامنية والتجارب التنظيمية، والديناميكيات الشعبية المُتعدِّدة.

بالقدر الذي تبقى فيه الحركة الديمقراطية المغربية عموماً مَدينة للقضية الفلسطينية، أولا بقدرة هذه الأخيرة على التعبئة الشعبية وإعادة تسييس الشارع المغربي حتى في عز حالات الجزر الذي عرفته القوى الديمقراطية.

لنتذكر هنا، أن أول المسيرات الكبرى وأهمها كانت تضامنا مع فلسطين، وأن أجيال عديدة التحقت بالعمل السياسي من بوابة القضية الفلسطينية.

ولنقل إننا أمام حالة عامة، فطالما شكّلت فلسطين مصدر إلهام لكل الحركات المطالبة بالتغيير والتقدم والديمقراطية. 

من جهة أخرى، فالقوى السياسية المغربية مدينة كذلك للقضية الفلسطينية، بقدرة هذه الأخيرة على أن تشكل أرضية لالتقاء كل الإرادات، وقاعدة للعمل الوحدوي، فالملف الفلسطيني هو الذي ظل يجتمع حوله جميع ألوان الطيّف: يساريون واستقلاليون وإسلاميون.. والطاولة التي ظلت تتسع للجميع هي فلسطين، حتى في أوج القطائع السياسية التي ينتجها التفاعل مع القضايا الداخلية. 

اليوم، تعيش القضية الفلسطينية أياما عسيرة، ليس أقل عنوان ممكن لها: أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، حيث الفشل المضاعف، فشل خيار المقاومة، وفشل خيار التفاوض، وحيث آمال المصالحات تبخرت أمام حدة الانقسام بين سلطة رام الله وحكومة غزة، وبين قوة الصراع بين فتح وحماس، وشدة التوتر بين مرجعية «الدولة» وبين مرجعية منظمة التحرير.

وبالرغم من عدم اكتمال دورة التحولات التي تشهدها البلدان العربية، ودخولها في منطقة رمادية ملتبسة الآفاق، فإن التفكير في آثار هذه التحولات على القضية الفلسطينية، تجاوز بسرعة أوهام اللحظة الأولى،  لحظة الشاعرية الثورية، حيث انتقلنا من سهولة شعار «مستقبل فلسطين يمر عبر مستقبل الشعوب العربية»، إلى مستوى من التعقُّد السياسي المزدوج للوضع الإقليمي والعربي.

وإذا كانت أحداث الحراك العربي، قد طرحت سؤال التوصيف والقراءة؛ هل نحن أمام حالة ثورية أم انتفاضات اجتماعية، أم مجرد فوضى خلاّقة مُدبّرة، فإنها قد أثارت كذلك السؤال حول حدود الامتداد العربي  للحراك؛ فكثيرون اعتبروا ما وقع في ربيع2011، نهاية أخرى للمشروع العربي، وكثيرة هي التحاليل المتساهلة التي اعتبرت أن الشباب في الساحات التونسية والمصرية واليمنية احتفى بأعلام دولهم الوطنية، وأن الشعارات لم تتعد هذه المرة مساحات الأقطار، ولم تحفل كالعادة بفلسطين ولا بإدانة العدو الإسرائيلي.

النتيجة المنطقية لهذا التحليل هي أن مسار الإندماج الاجتماعي والسياسي داخل الدولة القطرية، قد انتهى بتكريس واقع الدولة/ الوطنية كدولة أمة، مما أفقد عمليا شعوبها أي نزعة عروبية.

تحليل لا يصمد في الواقع، أمام تزامن وتفاعل و»إقليمية» الأحداث داخل كل الساحات العربية، مما يثبت عمليا وحدة الشعوب ونزوعها المشترك والمتفاعل نحو الديمقراطية والحرية.

بغض النظر على هذا النقاش، لابد من الإقرار بأن الانقسام الذي يعيشه الصف الوطني الفلسطيني، وانشغال عدد من الدول العربية بتدبير مرحلة ما بعد أحداث «الربيع»، قد أثرا على إيقاع ديناميكيات التضامن مع القضية الفلسطينية داخل محيطها العربي. 

فإذا كانت في السابق، وحدها الأنظمة من يسعى إلى تحزيب وتجنيد القضية الفلسطينية لخدمة أجنداتها المختلفة، فإن توالي حالات القطيعة وفشل المصالحات بين القوى الفلسطينية، جعل الشعوب والتنظيمات المدنية نفسها، أصبحت عاجزة عن التمييز بين «مشروع فلسطيني وطني جامع» يواجه عدوا إسرائيليا واضحاً، وبين مشاريع فلسطينية حزبية، تواجه مشاريع فلسطينية مقابلة، مما طرح سؤالا وجوديا حول هوية «القضية»؟.

فبالنسبة إلى الكثيرين داخل عائلة اليسار- مثلا-، فلسطين لم تعد حلماً للحرية والتحرر، ولا فكرة حول التقدم، ولا اسما مستعارا للنهضة، بقدر ما آلت إلى مجرد «أصل تجاري» للحركات الأصولية، وأن مضمون القضية قد أصبح أسيرا للخطاب الديني، مما يجعل الدفاع عن فلسطين بالضرورة انتصارا لرؤية دينية تبسيطية للعالم وللتاريخ، لن تعود منافعها ومكاسبها السياسية إلا للحركات الإسلامية.

عموما، رغم اختلاف تقديراتنا لأثر التحولات الإقليمية على الوضع الفلسطيني، فإنه لابد من التوكيد على خلاصة جوهرية؛ إن الرهان على إعادة امتلاك القضية الفلسطينية كجزء محوري  للمشروع العربي الديمقراطي أمر مهمٌّ، لكن الأهمية القصوى تبقى اليوم، لملحاحية التجاوز الذاتي لأزمة العمل الوطني الفلسطيني. إن الربيع الفلسطيني يمر أصلا عبر تجاوز الاتقسام وولوج زمن المصالحات. 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي