معارضة ولو طارت معزة

19 ديسمبر 2013 - 17:59

الديمقراطية، إذن، مثل طائرة بجناحين، الأول هو الحكومة، والثاني هو المعارضة، لكن مادامت الأمور عندنا مقلوبة، فإن المعارضة تحتاج إلى من يعارضها هذه الأيام لأنها فقدت البوصلة المنطق، وأصبحت معارضة «ولو طارت معزة». كيف ذلك؟

وضعت الحكومة مقتضى في مشروع القانون المالي يهدف إلى تشجيع الأموال المهربة على الرجوع إلى أرض الوطن، خاصة أن الأبناك تعاني نقصا شديدا في السيولة، في الوقت الذي توجد أموال مغربية بمليارات الدولارات في أبناك أوربية وأمريكية وأسيوية في جنات ضريبية. وقالت الحكومة إنها ستفرض ضريبة صغيرة على هذه الأموال مقابل رجوعها إلى المغرب لتدخل في الدورة الاقتصادية. وهذا إجراء سبقتنا إليه إسبانيا قبل سنتين وأعطى أكله، فلماذا عارضت المعارضة هذا الإجراء؟ رغم أنه عملي ومجرب في دول أخرى؟.

قالت المعارضة إنه تشجيع على الفساد، وإن الحكومة تلجأ إلى استجداء الفاسدين، وإن الحكومة مقبلة على تمتيع من خرق القانون بالعفو العام. طيب، ما هو البديل عن هذا الإجراء الذي يمكن البلاد من استرجاع مليارات من الدولارات تدور في الخارج وتستفيد منها اقتصاديات قوية في أوربا؟ 

المعارضة لا بديل لديها ولا أفكار ولا مقترحات في هذا الإطار، بل إن ممثل الاتحاد الاشتراكي، «يا حسرة» في مجلس المستشارين، محمد العلمي، قال للحكومة: «ارفعوا هذا المقترح إلى المجلس الوزاري حتى يتخذ بشأنه الملك قرارا سياسيا». يا سلام على التنزيل الديمقراطي للدستور، وعلى سلوك الحزب التقدمي الذي كان ينادي بالملكية البرلمانية، وأصبحت بعض وجوهه اليوم تدعو إلى ملكية تنفيذية غارقة في التنفيذ، وإلى شل عمل الحكومة لأن قرارا صغيرا مثل هذا يعتبر سياسيا، وكأن الحكومة جهاز تقنوقراطي وليس سياسيا. 

مقترح آخر وقفت المعارضة له بالمرصاد في مجلس المستشارين، الذي فقد أهليته ويوجد في حالة شرود سياسية ودستورية وقانونية منذ مدة. إنه إجراء وضع في مشروع القانون المالي يهدف إلى استرجاع 2700 «كريمة» تفسد أي مشروع لإصلاح قطاع النقل الذي يعيش في فوضى تامة. الحكومة وضعت مبلغ 930 مليون درهم لشراء هذه «الكريمات» من فنانين ورياضيين وعسكريين وأسر مقاومين وزوجات الأعيان ومتطفلين وغيرهم حصلوا على هذه «الكريمات» كإكراميات على مدار عشرات السنين بطرقهن الخاصة، ولكي تدخل شركات واستثمارات إلى القطاع المنكوب لا بد من إزالة هذه «الكريمات» التي تكرس الريع في أجلى صوره.

لماذا عارضت المعارضة هذا المقترح الرامي إلى القضاء على الكريمات بشرائها، لأن نزعها بالقوة غير ممكن، سياسيا وإداريا وربما قانونيا؟ قالت المعارضة إن هذا تشجيع للريع عن طريق مكافأته… طيب، ما هو البديل للقضاء على هذه الكريمات دون شرائها؟ لا شيء، لا مقترح ولا هم يحزنون…

مشاكل البلاد معقدة، والمسؤولية السياسية تفرض على المعارضة والحكومة أن تتحليا بالموضوعية والحكمة والعقل، أما المعارضة «السياسوية» فإنها تضر البلاد وليس بنكيران…

شارك المقال

شارك برأيك
التالي