النَّاجِحْ يَرْفَعْ إيدُه!!!

20 ديسمبر 2013 - 17:40

لم يكن هذا اجتهادا فريدا، نحن ألفْنَا أن نَصْنَع من أحزاننا ومآسينا كَرْنَفَالاً احْتِفَالِياً بَهِيجاً: تُقْرَع الطبول، وتصدح المزامير، وتعلو الأناشيد فتختفي ذيول الخيبة والفشل !!! 

اختلط الفَرَح بالأسَى، فاحْتَفَل الأزْوَاج بِمُنَاسَبة طلاقِهِم من بعضهم البعض، وتَسلل الفرح والغِبطة إلى الجنائِز فارتدت النِّسَاءُ أحلى ما لديهن من الثياب والحِلي مباهاةً. ولم تولِ فرقة موسيقية اهتماما للأجواء الدينية التي ينبغي أن تطبع الاحتفال بمقدم حاجة، فرقصت النساء على أغاني شعبية غاية في الرداءة والإنحِلال الأخلاقي !!

وَقَدْ لمَسَ المنتَظم الدَّوْلِي لهفتنا على الأفراح، فَلم تشأ الجَاِمعَة الدُّولِية لِكُرَة القدم أن تُرَتِّبَ على خرقنا لضَوَابِط الجَمْعِ العَام عِنْدَنَا رُسوباً كُلِيًا، فَهِي لا تريد أن تحرم نفسها والدُّول التي تدور فِي فلكها من سياحة راقية بين مراكش وأكادير، فلم تتوقف عَجَلات الرِّحلة إليهما على أنْغام تصفيقات إعْلامِنَا المُنَّوِّهَ بنجاحاتنا فِي الاستقبال والتنظيم والتَبْذِير!!

نَحْنُ نَجَحْنَا ـ منذ زمن بعيد ـ في جَمِيع القَضَايَا، حَقَقْنَا مَكَاسِبَ مَصيرية هَامَة، ثم جَلسْنَا نشرب نَخْبَ الانتصار!

 مُنْذُ زَمنٍ بَعيد بَلغ ـ عندنا ـ قِطار التَّنمية مُنْتَهَاه، أمّا كيف نجحنا ولماذا، فهُوَ الأهم مِنَ الفَوز ذاتِه:

ـ عندما لا يترشح فَردٌ أو دولة لاستحقاق ما، نَفُوزُ بِمُفردِنَا، لِيَندَلِعَ لهيب الإعْلام مُهَللاً!!!

ـ عندما لا تَرْغَب دَوْلة ما فِي أن تُبَدِّد مَالها في ما تعتبره عبثا فلا تترشحُ لكُرسِي الاسْتِحقاق نُعْلِن نحن ترشُّحنا ونجاحنا فِي الآن نفسه.

لم يبق هناك مجال لم ننل فيه السَّبق، فلو أن مخلوقاً لا يعرفنا جيّداً وأرهف السَّمع لحديث وصور قنواتنا عن نجاحاتنا لزفَّ البُشرى لبني قومه!!!

الصُّفوف الأخيرة الخاملة في الحقل الدِّراسي هي الصفوف الأمامية في الحقل الوظيفي، وقد لام رَجُل تعليم زميله الذي امتلأ ِملفه الإداري عن آخره بالشواهد الطبية الوَهْمية والإنذارات فأجابه بالقول: بِهَذا السلوك سأدركُ سُبل النَّجاح، وكذلك كان: لمَّا طرَق المُعلم بَابَ الوزارة لتسوية ملف تَقَاعُدِه، وَجَد زميله الكَسول مديرا بتلك الإدارة، فابتسم آسِفاً.

لو أنَّنَا فِعْلاً نجتاز بنجاح امتحانات حقيقية، لو أنَّ البَعْضُ مِنَّا لم يسلك طرقاً هامشية ولا نطَّ كالضِّفْدَع  فوق الحواجز غَصْبًا لكان لنا شأن آخر، ولصدقتْ علينا حِكاية ذلك الذي شارك بمفرده في الامتحان فحصل على الرُّتْبَة الثانية!!

اجَتَهَدْنَا في أسباب الرُّسُوب فأنْتَجْنَا نَجَاحَات وَهْمِية، وابتكر البعض منا طرقاً لِنَيْل قصب السَّبْق. 

فعندما خَشي المُمْتَحنُ المِصْري الرُّسُوب في اختبار شفوي أجاب عَنْ سؤال حول أعظم شخصية عرفتها الإنسانية مُنذ الأزل بأنها حاكمُ بِلادِه آنَذاك، فنجح بامتياز:  هُو يُدرك أنه لو قال سُقراط لقيل لهُ،  بل أرسْطو، ولو قال شِكسبير لقيل له، بل فولتير، فقال ما قال وأحرج لجنة الامتحان ونجح!! 

لم تَأت العَائِلة التِّي احتفلت بِرُسُوب ابْنِهَا مُنكراً أو غرابةً أو شذوذًا، هي تحمد الله عز وجل أن الوَلدَ أخْبَرَهَا بِرُسُوبه، أمَّا عَدَاه فيسْتَبْدِلُ كلمة «كَرَّرَّ» بكلمة «انْتَقَلَ إلى القسْم الأعْلى» تَزْويراً، فَتغدِقُ عليه أسْرَته إلى حِين إطلالة العَامِ الدِّراسي الجديد فينْكَشِف المَسْتورُ!!

لم يعد هذا السُّلوك قاصرا على الأفراد، حمَلتْ مشْعله الدول، فالراسبون عِندنا هُمُ الناجحون، وَهُمْ مَنْ يُغَنِّي لهُمْ العَنْدليبُ الأسْمَرُ:

النَّاجِحْ يَرْفَعْ إيدُه

فَطُوبَى للرَّاسِبينْ!!! 

رئيس المنتدى المغربي للقضاة الباحثين

[email protected]

شارك المقال

شارك برأيك
التالي