لحلو يتحدث عن الريسوني والعروي والأغنيات ومفاتن المطربات

29 ديسمبر 2013 - 20:34

 

>  شهدت الأغنية العصرية، ومنها اللون الذي تؤديه، تراجعا كبيرا، مقارنة بسنوات التسعينات وما قبلها، ما السبب في اعتقادك؟

< هذا التراجع يعود إلى أمور عديدة، فكل شيء تغير، ولا شيء يمكنه أن يرجع كما كان. المفاهيم تغيرت والجمهور تغير والزمن ككل تغير، فالوقت الذي نخصصه للأغاني تغير وتقلص،  لكن هذا لا يمنع من وجود محاولات فردية مستمرة تسعى للحفاظ على هذا النوع الموسيقي، ومنها ما أقوم به كتابة وتلحينا، وهو نوع لاقى، الحمد لله، صدى جميلا، سواء على مستوى الكتابة أو اللحن، بكلمات نظيفة وألحان تواكب العصر، وتستمد جذورها من التراث،وبصيغة فنية جديدة. ولكن بصفة عامة لا نملك ساحة فنية، «نعمان كيخصنا منو عشرة باش يمكن نخلقو ساحة فنية».. وأغاني الثمانينات والتسعينات لا يمكنها أن تعود.

 

>  لماذا.. ألا يمكن إحياؤها؟

< الأمر لا يخص المغرب وحده، لأن التغير يعم العالم كله. الجمهور تغير، والتطور التكنولوجي وانتشار الأنترنيت غير كل شيء. صار كل شيء يقدم في وقت قياسي، وصار ضروريا تقديم ما كان يقدم في نصفة ساعة في 3 دقائق، كل شيئا صار مختزلا. لا شيء يرجع، ومنه الأغنية المغربية ،لكن لا يمنع ذلك من القول إن هناك عشاق لهذا النوع الفني يستمعون إليه، وإن كانوا قلائل. يستمعون إليه لكن دون أن يرجع كموجة. 

الأغنية هي انعكاس لواقع اجتماعي واقتصادي وسياسي. وبما أن هذه الأمور تغيرت، فبالضرورة سيطال هذا التغير الأغنية. وبالجملة، فكل ما يمكن أن نقول عن الأغنية في المغرب أنها تظل تلعب دورها الأمين في انعكاس الواقع الموازي على كل المستويات. ولا مجال للمقارنة بين الماضي واليوم، لا أقول حسن لكنه مختلف.

 

>  ذكرت أنك تعتمد كلمات نظيفة. مؤخرا دعا أحمد الريسوني الحركات الإسلامية إلى الانخراط الفني وشدد على فكرة الفصل بين الفن النظيف وغير النظيف. هل هذا التمييز باعتقادك سليم بين الفن النظيف وغير النظيف؟ 

< نظيفة قد تكون كلمة في غير محلها لكن لنقل إنها كلمات هادفة. وعموما، فإن فنون الشارع التي طغت على العالم والتي بدأت في أمريكا مع موجة «الهيب هوب» و»الكرافيتي» وغيرها طغت على فن الصالون.

والآن نحن نعيش عصرا إذاعيا وليس تلفزيا، منذ أربع أو خمس سنوات انقلب المفهوم، اعتقدنا أننا كنا نعيش عصر الصورة، لكن في الأغنية نحن في الواقع نعيش عصر الإذاعة، لكثرة الإذاعات، ونستمع للأغاني في أدوت محمولة، ومنها الإذاعات أيضا. وفنون الاستعراض وفنون الشارع اختلطت بالإبداع الموسيقي، واختلط الحابل بالنابل ولم نعد نميز، لكن بالنسبة للمهتمين فهم يميزون.   فنون الشارع في الأصل مكانها الشارع، لكننا صرنا الآن نجدها أكثر في الإذاعات وفي كل مكان. اختلط فن الاستعراض بالأغنية، فأصبح استعراض أشياء أخرى على حساب الأغنية، مثلا مطربة تستعرض مفاتنها أو استعراض قوة التصوير، دون أن يكون هناك موضوع. اختلط فن الاستعراض بفن الموسيقى.

 

>  على ذكر فن الاستعراض، هناك كثير من «الفيديوكليبات» التي تراهن على الصورة أكثر من مراهنتها على الأغنية، ما تعليقك؟

< تلك فقاعات لا تدوم.

 

>  مؤخرا ظهر اسم «سينا» شابة خلقت جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي قبل شهور، وعادت إلى الظهور مؤخرا، مدعية أنها فنانة عالمية، ما رأيك في مثل هذه الظواهر؟

< سمعت عنها فدخلت لأكتشف من تكون. هناك عدد كثير من سينا، ربما الفرق الوحيد أن هذه التي أمامنا امتلكت الجرأة لتظهر تفاهتها.

شاهدت ذلك بالصدفة ووجدت أنه حشو في الكلام هو شيء لا يمت للفن بصلة. هي لا تعرف كيف تصوغ حتى جملة فعلية او اسمية. أضحكني ما شاهدته لكن هذا لا يعني أني ضدها، فكل شخص يقوم بما يحلو له. تلك ظاهرة لا تستحق أن نتحدث عنها، أنتم في الإعلام تتحدثون عنها

 

>  الإعلام يطرح الموضوع تبعا للفضول الذي يثيره الكم الهائل من المشاهدات التي تحققها؟

< عدد المشاهدات لا يمكن أن يكون معيارا للنجاح، فحتى حين حدوث جريمة قتل وتصويرها تعرف نسب مشاهدة أكثر من مشاهدة فيديو لعبد الله العروي يحاضر في الجامعة. فنسبة المتابعة ليست معيارا للنجاح أو التألق.

 

>  ما رأيك في برامج اكتشاف المواهب؟

< هي برامج تجارية، هدفها الأساس هو الربح والفنانون ضحية لتلك البرامج.  يتحدثون عن الأصوات الجميلة، الصوت الجميل لا يمثل سوى 10 في المائة من أسباب النجاح، والباقي يتعلق بعامل الوقت والبقاء في الساحة بعطاء بعدي حتى نقول إنه فنان.

يتم تسليط الأضواء على صوت جميل في مدة زمنية معينة هي زمن البرنامج، يتهيأ لذلك المطرب أو الفنان، لأن الفن هو صفة وليس مهنة باعتقادي، (يتهيأ) لهذا الشخص أنه نجح بينما النجاح هو سلم وليس بابا، الباب تفتحه وتدخل إلى عالم آخر، فيما السلم تصعده درجة درجة.

الفنان يسلط عليه الضوء بشكل كبير وبعد ذلك يتم إهماله، فيقع ضحية اكتئاب. فالمفروض في كل فنان سيمر من هذه التجربة أن يقول هذه فرصة لتساعدني وستسلط علي الأضواء فلأشتغل وأجتهد وأخلق شيئا جديدا لا أن أستمر في التقليد والنسخ، فمثلا حين تغني فنانة لأم كلثوم فذلك أمر جميل لكنها لا يمكن أن تحل محلها، ستنسى ما لم تخلق لها لونا خاصا لأن أم كلثوم ستبقى هي نفسها، ولا يجب إنجاز عمل واحد بل يجب الاشتغال بالتوالي عمل بعد عمل حتى لا نقول إن الأمر يتعلق فقط بظاهرة، وإنما بفنان أو فنانة حقيقية لهما بصمتهما الخاصة. أما الاعتماد على تلفزيون الواقع في شهرة مؤقتة، فذلك أمر غير سليم لأن همه الأساسي هو الربح. ولكن رب ضارة نافعة، لأنه يمكن لهذه المواهب أن تستغل هذه الفرصة وتختصر أربع أو خمس سنوات من العمل لكن يجب ألا تغتر بل أن تعمل أكثر.

 

>  وبخصوص الدعم الموسيقي هل حقق الأثر الإيجابي المرجو منه؟

< لا، ليس بعد. فكل رضيع يحتاج إلى سنوات ليمشي وحده على قدميه.  الدعم هو خطوة مهمة، لكن لم تشارك فيه بعد أسماء وازنة من شأنها أن تقدم لنا أعمال جيدة. فقد كنت ضمن اللجنة الأولى ولدي أصدقاء ضمن اللجنة الثانية، لم تكن هناك أغان في المستوى، باستثناء بعضها الذي اخترناه ليدعم، في الوقت الذي أعدنا فيه نصف الدعم إلى وزارة الثقافة.

 

>  ما الذي كان ينقص هذه الأغاني ؟ 

< المنظومة كاملة : شعرا ولحنا وأداء. وهذه العناصر حين كنت في لجنة الدعم الأولى، كنا ندقق في كل عنصر على حدة قبل أن ننظر إليها مجتمعة، ولم يكن بين ما قدم ما يبهر. والدليل على ذلك أن أي أغنية تطلقها وزارة الثقافة في المواقع لتعرف أكثر وتنجح لكن ولا واحدة منها نجحت. وكما قلت، فكل مولود يحتاج إلى  زمن  ليشتد عوده. 

شيء آخر مهم، كثيرون يتحدثون عن امتلاكهم أغاني جيدة ومتكاملة، ويتبرمون من عدم الاهتمام بهم، فيكون ردي أن هناك الآن لجنة محترمة، وأقول فليتقدم كل من يرى في عمله كل المؤهلات أمامها، لتقيم هذا العمل، فهي تضم أحد عشر مختصا في اللحن والكلمة والتوزيع وكل ما يحيط بالأغنية. و أكيد أن الجميل لا يمكن أن يختلفوا حوله ولا يمكن إقصاؤه.

 

>  هل يتقدم أمام هذه اللجنة فنانون كبار؟

للأسف لا، يفكرون بمنطق أنهم نجوم كبار لا يجب أن تخضع أعمالهم لأي تقييم، لكني أرد عليهم أن هذا الأمر يخص دعما تقدمه وزارة الثقافة التي لن تطالبهم بأي مقابل. لك أن تأخذه لتستثمره في عمل جيد ولتبحث بعدها عن محتضن. ومن هنا أطلب من الأسماء الكبيرة أن تقدم بدورها أغانيها أمام اللجنة.  وعموما، فأنا مع هذا الدعم.

 

>  وماذا عن المهرجانات الموسيقية؟

< كان سيكون أفضل لو أوجد بالموازاة مع هذا الدعم مهرجان للأغنية المغربية.

 

>  وعن رأيك في ما يقدمه التلفزيون في هذا المجال، ماذا يمكن أن تقول؟

< التلفزيون لا يقدم أي نوع من برامج الإبداع الغنائي، هناك فقط برامج للترفيه، وسهرات سبت وأشياء مماثلة لا تمت للإبداع بصلة.

 

>  لماذا باعتقادك لا يعتمد التلفزيون ذلك؟

< التلفزيون يعتبر الموسيقى كترفيه ولهو لا ثقافة، لأنه صار يقدم ما يتماشى ورغبة حاضنيه. فصرنا نسمع الآن أذواق الحاضن لا أذواق المحترفين والمختصين. الحاضن يفرض لونا معينا وشخصا معينا بصرف النظر عن قيمة ما يقدمه لأن ما يشغله هو كم المشاهدة التي سيحصلها.

ولهذا على الدولة أن تتدخل في هذا الأمر بدفتر تحملات لكي توازي الكفة. و لكي نقول إنه ليس ضروريا أن يكون لديك مائة مليون من المشاهدة لتنجح، وإنما يمكن أن يكون النجاح بمعايير أخرى،  كأن يكون عملا معبرا عن هوية أو عن تجديد مبدع. و هذا كله إذا كنا نبحث عن الارتقاء بالأغنية والذوق أما إذا كان الاهتمام يخص إثارة الضجة وما يصاحبها، فالتوجه يمضي نحو الصورة وكل ما يستفز الناس.

 

>  لم تدخل بعد تجربة الموسيقى التصويرية للأفلام، لماذا ألم تقدم لك عروض في المجال؟

< ذلك عالم آخر، وطوال مساري لم تقدم لي سوى بضعة عروض وكلها كان لديها مشاكل في الإنتاج. أعتقد في هذا الصدد أن الأمر هنا يتحكم فيه المخرجون، لأن الواحد مسؤول عن تدبير الميزانية التي لديه، فمثلا إذا كانت لديه ميزانية من ثلاثة أو أربعة أو خمسة ملايين درهم، تجده يخصص منها 50 ألف درهم للموسيقى بما فيها التسجيل والأتعاب وغيرها، في حين لا يمكننا القيام بعمل جيد بهذا الثمن، لأنك إن أردت تحضير عمل جميل وجيد يلزمك ما بين 120 و150 ألف درهم فقط قيمة التسجيل والتنفيذ والموسيقى. وهذا أمر لا يعيرونه اهتماما. 

وفي اعتقادي أنه عند تقديم الدعم السينمائي، يجب أن يحدد بالتفصيل النسبة التي سيحصل عليها كلها طرف، ومن ذلك النسبة المخصصة للموسيقى، فحين تحدد هذه «الكوطا» يمكننا الاشتغال لكن في غياب هذا يستعصي الأمر. 

عدد الأشخاص الذين يشتغلون في سوق الموسيقى التصويرية لا يتعدى خمسة أو ستة أشخاص، أكن لهم الاحترام، وهذا لا يكفي. لذلك على المركز السينمائي وعلى المخرجين التصالح مع الموسيقيين المغاربة ومد اليد لهم. وهم في هذا الجانب مقصرين، فحتى مهرجانات السينما لا تهتم بنجوم الفن الموسيقي ولا توجه لهم دعوات.

 

>  بمناسبة حديثك عن المهرجانات السينمائية مارأيك فيها مقارنة بمهرجانات الموسيقى؟ 

< عدد المهرجانات السينمائية كبير وهذا أمر محمود، لأنه لا يمكنه إلا أن يساهم في خلق سينما جديدة. السينما المغربية اليوم تقدمت جدا، لا أتحدث عن الموضوع والحكاية، فهذا آخر شيء أنظر إليه الآن، إنما أتحدث على المستوى التقني، الصورة والإضاءة. هذا التقدم الذي عرفته السينما أرجو لو نصل كموسيقيين ولو لخمسين في المائة منه. والاهتمام الذي تحظى به السينما هو اهتمام سيادي، ملكي، ولو حظيت الأغنية المغربية بنفس الاهتمام لاستطاعت أن تنجح أيضا والدليل على ذلك الأصوات والمواهب التي يتوفر عليها المغرب، والتي تتألق وتتفوق أينما حلت خارج المغرب، وذلك النجاح يجب أن نراهن عليه لأنه يمثل صورة المغرب، ويجب أن ندعمه. يجب أن نراهن على نجاح المواهب المغربية داخل وطنها حتى لا تلجأ إلى البحث عن النجاح خارجه، نحتاج إلى التصالح مع ذواتنا وثقافتنا المغربية، يجب أن نكف عن النظر إليها من أعلى. 

 

>  كيف تقيم دور المهرجانات الموسيقية في هذا السياق؟

< المهرجانات الموسيقية في المغرب هي عبارة عن حفلات خاصة، لا استراتيجية لها. هناك محاولات خلالها للاهتمام بالفنان المغربي ومن خلاله بالأغنية المغربية، لكنها لا تفي بالغرض، لأن إشراك الفنانين المغاربة كثيرا ما يكون فقط لذر الرماد في العيون والقول «ها حنا شاركنا المغاربة».

 

>  هذا يعني ذلك أن هناك تقصيرا من الجهات المسؤولة؟

< أعتقد أن الموسيقى والمسرح يحتاجان إلى اهتمام أكبر، هذه السنة هناك بوادر لهذا الاهتمام فميزانية 2014 أعطت 10 ملايين درهم للمسرح ومثلها للموسيقى، وهذا شيء جديد، فقبل سنتين لم يكن يتجاوز هذا الدعم 4 ملايين درهم. وهذا راجع لكواليس اجتهادنا كفنانين في هذا السياق، ولمجهود كل من وزير الثقافة ووزير الاتصال.رغم كل ما تعانيه المغربية يمكن أن أقول إني متفائل بما سيأتي.

 

>  بعيدا عن الموسيقى،أيمكنك أن تدخل مجال التمثيل السينمائي؟

< لا أفكر في ذلك وإن كان عرض علي سابقا دور أول في فيلم سينمائي. يمكن أن أفعل يوما ما إذا اخترت لتجسيد ما أتقنه فعلا، أن أكون ملحنا أو مطربا. أما التمثيل في حد ذاته فهو مهنة قائمة بذاتها، فأن تكون مشهورا في الغناء أو الموسيقى لا يعني أنه عليك ولوج السينما. وحتى إذا ولجتها، فلن يكون مستواي سوى متوسط، لذلك فالأفضل الحفاظ على تفوقي في مجال أتقنه.

 

>  ألا تفكر في العودة إلى مصر للاستقرار هناك؟

< أولا، مصر هي مدرسة علمتني أبجديات الاحتراف الموسيقي، والشخص حين يتخرج لا يفكر في العودة إلى مدرسته. ومن جهة ثانية، دبي سحبت البساط من مصر، فقد أصبحت مركز الإنتاج في المشرق. لكن هذا لا يمنع من أن أقول إنه ما تزال تربطني علاقة طيبة بمصر، التي لا أنكر فضلها، والتي أزورها كثيرا، ونتمنى لها الخروج من محنتها.

شارك المقال

شارك برأيك
التالي