سطور الدفتر

17 يناير 2014 - 21:51

 وتجعله مساحة حياته أوسع، وثقلها أخف قليلا، وطعمها أقل مرارة. ولكن هذه البنية التحتية التي تلتهم الكثير من المال والجهد، تكون عديمة الجدوى لكل أولئك الذين يعيشون عزلة من نوع آخر.

فبماذا أفاد الطريق السيّار الممتد من طنجة إلى أكادير أمينة الفيلالي، الفتاة التي فضلت ترك هذه الحياة التي يكافأ فيها المغتصب بالزواج من ضحيته؟؛ وماذا فعل نفق الوداية لأخريات سرنا على نهج أمينة وقفزن من قطار الحياة في غفلة من الجميع؟؛ وبما أفاد ميناء طنجة المتوسطي آخريات يمتن كل يوم جراء تلك الفقرة العجيبة من الفصل 475 من القانون الجنائي التي كانت تعفي المغتصب من العقاب إن هو تفضل وقبل الزواج بضحيته ليواصل تعذيبها؟ وتقول هذه الفقرة للتذكير بأن المغتصبة إذا «تزوجت من اختطفها أو غرر بها، فإنه لا يمكن متابعته إلا بناءً على شكوى من شخص له الحق في طلب إبطال الزواج، ولا يجوز الحكم بمؤاخذته إلا بعد صدور حكم بهذا البطلان « !!

إن البنية التحتية القانونية، في تقديري، أكثر حيوية بالنسبة إلى الكائن المغربي، وهي التي يمكن أن تساعده على بلوغ فردانيته الكاملة التي ستخول له بدورها الاستفادة الحقة من البنيات التحتية الأخرى. 

في تقديري، تلك البنية القانونية الصلبة والواضحة هي التي سترفع عنه العزلة الحقيقة.. العزلة التي تلف كينونته كما تلف الشرنقة الدودة. ومن هنا تنبع أهمية تصديق لجنة التشريع في مجلس النواب الأسبوع الماضي على المقترح القاضي بإلغاء تلك الفقرة المشؤومة من ذلك الفصل.

لست واهما وأدرك جيدا أن القوانين، مهما كانت متقدمة على الورق، قد لا تقوى، في مرحلة أولى، على زعزعة تقاليد غرست جذورها عميقا في تربة هذا المجتمع مثل شجرة خبيثة لا تؤتي إلا الثمار الفاسدة. ولكن مع ذلك أومن بأنه من الأفضل بكثير أن تكون القوانين على الورق متقدمة على ما يجري على صفحة المجتمع. فهي مثل تلك السطور الخمسة التي كانت تؤثث صفحات دفاتر طفولتنا، فقد كنا نجد صعوبة بالغة في احترامها، وكنا نخرج دائما عن السطر. ولكن شيئا فشيئا، صرنا نكتب في خط مستقيم حتى في الأوراق التي تخففت من تلك السطور.

وبما أنه لم يبق سوى أن أربي الأمل كما يفعل السجناء والعاطلون عن العمل في إحدى قصائد الشاعر الذي رحل قبل الأوان محمود دوريش، فإنني آمل أن يكون إلغاء تلك الفقرة الملغومة من كتاب القانون الجنائي، سطرا على صفحة حياتنا ستتلوه سطور أخرى، فمجتمعنا سينتهي به الأمر إلى عدم الخروج عنها، وإن كنت آمل أن يكون تلميذا سريع التعلم.

شارك المقال

شارك برأيك
التالي