دستور الخريف المصري..

22 يناير 2014 - 16:04

 

لحظة الاستفتاء على الدستور في الدول التي تمتلك إرادة التحول الديموقراطي الحقيقي هي لحظة تكريس الإجماع أو ما يشبه الإجماع على أسمى وثيقة قانونية في البلاد، وفي أسوإ الحالات هي لحظة التعبير عن الاختلاف بطريقة حضارية تؤمن بتعدد الآراء واختلاف وجهات النظر..

الانفراد الذي سجلته السلطات الحاكمة في مصر هو سعيها الحثيث إلى فرض صوت واحد، هو الصوت الداعي إلى «نعم» بكل الطرق الممكنة، ومنع كل صوت آخر..

وباستثناء الصحافة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، فقد تجندت وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية إلى الترويج والدعاية للدستور الجديد وللدعاية للرجل القوي في الوقت نفسه.. 

الأجواء التي خيّمت على الاستفتاء الأخير تميزت بمقاطعة قوى سياسية أساسية ومتنوعة من بينها «التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب»، إضافة إلى جماعة «الإخوان المسلمين» و»الاشتراكيين الثوريين» وحركة «6 أبريل» و»الجماعة الإسلامية» وحزب «مصر القوية»..

كما نشطت الفعاليات المناهضة للاستفتاء في تنظيم عدد من المسيرات في أنحاء متفرقة من المدن والقرى المصرية لدعوة المواطنين إلى مقاطعة الاستفتاء، تصدت لها قوات الأمن بالقوة مما أسفر عن سقوط 11 قتيلا وجرح العشرات واعتقال المئات من المواطنين..

الملاحظة الثانية التي طبعت الاستفتاء الأخير بالإضافة إلى ملمح العنف، هو ضعف نسبة المشاركة، وخاصة مشاركة الشباب، وبغض النظر عن الخطاب الدعائي الذي تروجه السلطات الحاكمة، فإنه من المؤكد أن نسبة التصويت لم تتجاوز 15%  في الخارج..

أما في الداخل، فقد أصدر المرصد العربي للحقوق والحريات تقريراً بنسب المشاركة في المحافظات المصرية بناءً على محاضر الحضور في اللجان وتوثيق الحقوقيين والمراقبين المحليين والدوليين والتى وصلت كمتوسط نسبي إلى 11.03% كنسبة مشاركة عامة فى المحافظات المصرية، وتراوحت بين 3 %  و13 %، في حين أن نسبة المشاركة على دستور 2012، سجلت نسبة مشاركة بلغت 32.9% كمتوسط عام، وهو ما يعني حسب العديد من المراقبين أن الاستفتاء الأخير هو تأكيد لشرعية الرئيس مرسي..

طبعا، التضارب في نسبة المشاركة يعكس حالة الاستقطاب التي تعيشها البلاد منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي يوم 3 يوليوز الماضي، ولا يتصور بأن الاستفتاء الأخير سيوقف دوامة التمزق التي تغذيها خطابات إعلامية إقصائية..

الملاحظة الثالثة في الاستفتاء الأخير تكمن في التناغم الحاصل في خطاب حزب النور السلفي مع خطاب الكنيسة القبطية المساندة للانقلاب، فقد اختفت جميع الاختلافات الإيديولوجية بشكل عجيب، وقبل حزب النور السلفي بما كان يرفضه في السابق، واستمات في الدفاع عن الصيغة الدستورية الجديدة التي سجلت تراجعا واضحا عن موقع الإسلام في الحياة العامة بالمقارنة مع دستور 2012 الذي سبق له أن هدد برفضه آنذاك..

في العمق، مثل هذا التمرين ـ بغض النظر عن طبيعته الإقصائية ـ، يساهم في تثبيت روح الديموقراطية وينزع عنها أي لبوس ديني، كما يساهم في بناء ولاءات سياسية حقيقية بعيدة عن التمترس وراء مسلمات دينية أو طائفية، ويرسم حدودا واضحة بين الدين والسياسة في نهاية المطاف..

إن الالتقاء في المرجعية الدينية لا يعني بالضرورة الالتقاء في المسلكيات السياسية، وهذا هو الدرس الكبير الذي كشف عنه دستور الخريف المصري..

شارك المقال

شارك برأيك
التالي