غلاّب الأغلبية

23 يناير 2014 - 16:08

ينطبق هذا الكلام على الخرجة الإعلامية الأخيرة لرئيس مجلس النواب، الاستقلالي كريم غلاب، والتي كانت مثيرة بكل المقاييس. تصوروا أنه قال، دون أن يرفّ له جفن، في استجواب يومية «المساء»، «في كثير من الدول، يكون رئيس مجلس النواب من المعارضة، لأسباب أخلاقية أو قانونية، ويتحقق بذلك فصلُ السلط، وبالتالي، يحق لنا كذلك أن نطرح السؤال التالي: كيف يمكن أن نُطبّق مبدأ فصل السلط، في الوقت الذي يكون رئيس مجلس النواب ينتمي إلى الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة؟».

سبحان الله! كيف يصح «أخلاقيا» هذا الكلام الآن، ولا يجوز«أخلاقيا» قبل أكثر من عامين، عند تشكيل الأغلبية الحكومية الأولى؟! كيف يُبشرنا بفصل السُّلط الآن، إذا ظل«رئيسا»، بعد أن دار عليها أكثر من حولين كاملين وهي «متصلة»؟! فصل المقال في هذا الانفصال والاتصال هو أن سياستنا وبالٌ! كيف لا وأهلها يُسوِّغون الشيء ونقيضه، حتى يلتبس الحق بالباطل؟! لا يسعني إلا أن أقول، للمرة الألف، كم هي واسعةٌ جِباهُ ساستنا، وبلغة عامية أكثر فصاحة أقول «الله يْعطينا وْجوههم»!

ما الذي يجعل الرجل يقول مثل هذا الكلام المُفارِق، والذي فات أوانه بالفعل، في ظل دستور جديد يُفترض أن تنبثق عنه ثقافة سياسية جديدة؟ ما الذي يجعله يقول كلاما يثيرُ الشفقة من قبيل «لا علاقة لحزب سياسي بفريق برلماني من الناحية الدستورية. صحيح أن هناك انتخابات تفرز نوابا برلمانيين، لكن بمجرد انتخابهم «تموت» صفتهم الحزبية داخل البرلمان»؟ إنها صعوبة الفطام من إغراء أن يظل غلاب «الرجل الثالث» (بروتوكوليا) في المملكة. فصالٌ يصعب أن يكون في عامين! إغواء السلطة جعله يبحث، بـ«الريق الناشف»، عن نموذج في الدول الديمقراطية يعضد به «البناء العشوائي» لِحِجَاجه، فلمّا لم يجده، ذهب «بعيدا» إلى «كيبيك» (وليس كُلّ كندا) ليجد ضالته/ضلالته، حيث اتفقت الأغلبية أن يكون «نظيرُه» من المعارضة! في هذا المقام، أتذكر مقالة، كثيرة السخرية، قليلة الجدية، كنت كتبتُها عندما تم الاتفاق بين الأغلبية الأولى لعبدالإله بنكيران، قبل أكثر من عامين، على انتخاب غلاب رئيسا لمجلس النواب، وذكرت أن «الهوى غلاب»، مستلهما بعض كلمات الشاعر الراحل بيرم التونسي، التي صدحت بها كوكب الشرق أم كلثوم، بألحان الشيخ زكريا أحمد. وهنا أختار مقطعا آخر، لو كنت مكان غلاب، وهو وضعٌ لا أرضاه لنفسي على كل حال، لردّدته حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، وهو «وعود لا تصدق ولا تنصان..

عهود مع اللي ما لوهش أمان.. وصبر على ذله وحرمان.. وبدال ما أقول حرّمت خلاص.. أقول يا رب زدني كمان»… لن أكرر نفسي، وأقف عند هوى غلاب الغلاّب في السلطة، حيث لم يغادر كرسي الوزارة إلا ليُصبح على كرسي رئيس الغرفة الأولى من الجاثمين، إلى جانب المطرقة إياها، التي طرق بها، والله أعلم، آخر مسمار في نعشه المهني، بعد مسار كان ناجحا كمهندس قناطر وطرق، لأزيد بأن هوى غلاب هو في الأغلبية، حيث لا يتصور نفسه «معارضا» عاديا، «يُغالب» الأغلبية، ويغلبها فيتحول أصحابها إلى «غلابة» (كما يقول المصريون)، في يوم مشهود، في نصرٍ موعود، من الأمين العام لحزبه حميد شباط، لو تحول إلى صدى لصوته «المُفزع» كالرعود! 

الواقع أن غلاب لا يريد أن يكون إلا صدىً لصوت غلاب، بدون «شرف الوثبة»، الذي تحدث عنه الشاعر السوري الراحل عمر أبو ريشة، عند «طلب العُلى»، «غلب الواثب أم لم يغلب»!

شارك المقال

شارك برأيك
التالي