آمِنونا من خوف!

20 فبراير 2014 - 16:22

 هذا ما أتصوره بالنسبة إلى «السيبة» التي تعرفها بلادنا حاليا، وهي وإن كانت، في مَلْمحها العام، «حديثة»، فإنها، في العُمق، لا تختلف عن تلك التي وصفها الرحالة الفرنسي شارل دو فوكو، عندما قسّم مغرب 1883 إلى «بلاد السيبة» و«بلاد المخزن»! وصراحة، لا تنقصنا إلا الاستعانة بـ«الزطّاطة» لعبور أحياء بعض المدن، كالدار البيضاء، التي تُخرج وحوشا، خصوصا في الليل، لينهشوا بني جلدتهم، حيث يتحول الإنسان إلى ذئب لأخيه الإنسان، على حد تعبير الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز… هذه هي «التماسيح» الحقيقية التي تتطلب «زطّاطة» من نوع جديد. «زطاطة» غلاظ شداد كحُراس رئيس الحكومة، عبدالإله بنكيران، الذي يبدو أنه شعر بالفعل، ولو على المستوى الشخصي، بخطورة الانفلات الأمني الذي تعاني منه المملكة الشريفة في القرن الواحد والعشرين. وطبعا لن يكون بمقدور «العامة» من المغاربة الحصول على «گاردكورات» من المديرية العامة للأمن الوطني، ولا حتى توفير الأموال الكافية للجوء إلى خدمات نظرائهم في الشركات الخصوصية!

قد يقول قائل إن العبد الضعيف رمى بسهام النقد إلى رئيس الحكومة الذي «لا يهش ولا ينش» في المجال الأمني، وهنا أرد، بسرعة، بأن بنكيران يتمتع «نظريا» ببعض السلطة في هذا المجال، وهو يُمثل «سلطة» منتخبة أساسا، يُفترض أن تخضع للمبدإ الدستوري في الربط بين المسؤولية والمحاسبة، وإذا تخلى عن صلاحياته لـ«المخزن القديم»، فتلك مسؤوليته أمام التاريخ، وطبعا سيُحاسب عليها «شعبيا»، قبل ذلك، في نهاية ولايته، إن كتب الله لحكومته عمرا، لذلك، من واجبه أن يوفر للمغاربة «حقهم» في الأمن. نعم، هو حق من حقوق الإنسان الأساسية، كرّسته الأوفاق الوضعية والشرائع السماوية؛ ألم يقل الله عز وجل في كتابه العزيز «فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» (سورة قريش)؟! لقد ربط سبحانه، إن شئنا الحديث بلغة العصر، بين «الأمن الغذائي» و«الأمن العام»، وطبعا يعلم بنكيران أن «الأمن» ليس فقط، حقا للمواطنين من جهة، وواجبا على الدولة ممَثَّلة في نسائها ورجالها من جهة أخرى، بل هو لحمة وسدى «الكليات الخمس» أو مقاصد الشريعة الضرورية، وهي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل…

وقد يقول آخر بأنني أكاد أطالب بـ«دولة بوليسية»! وهنا أسارع بالقول بأن مفهوم «الحكامة الأمنية» الذي أورده الدستور الجديد، وقبل ذلك توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، يربط قيام الأجهزة الأمنية لواجبها بحسن التدبير واحترام حقوق الإنسان، ولذلك مطلبي أن يتم تعزيز الموارد البشرية لتلك الأجهزة وإعادة انتشار بعض عناصرها الذين يرابطون في «ثكناتهم» في انتظار أحداث شغب أو احتجاجات، حتى ينزل ظهورهم في الشارع العام بردا وسلاما على القلوب الواجفة للمواطنات والمواطنين الذين أعياهم قول «اللهم إن هذا منكر»، كلما اعتدى عليهم أحد أو شهدوا اعتداء على غيرهم، وقد يُواجهون لدى الجهات الأمنية بأقوال من قبيل «ياك بْغيتو حقوق الإنسان»! كما يجب أن يواكب التعزيز العددي لقوات الأمن في الشارع تحفيزها من الناحية المادية والمعنوية وتحصينها، في المقابل، من كل الانزلاقات؛ سواء تعلق الأمر بتعذيب أو ارتشاء، وذلك أولا، من خلال التكوين والتكوين المستمر، خصوصا لترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، التي لا تتعارض مع القيام بالواجب، الذي يصل أحيانا، ولنقلها بوضوح، إلى استعمال ما يسمى بـ«العنف الشرعي»، خصوصا في حالات الدفاع عن النفس في وجه «قطاع الطرق» الذين يُشهرون سيوفهم على المواطنين، بمن فيهم قوات الأمن! وثانيا، لابد من أخذ الطابع «الكاموني» لبعض رجال ونساء الأمن، وبعض المواطنين، في الاعتبار وذلك من خلال التطبيق الصارم للقانون عليهم! وفي المحصلة، إذا قمنا بكل ما ذُكر، ألن نكون قد أسسنا، فقط، لـ«دولة الحق والقانون»؟!

 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي