المنسيون من رحمة الدولة

28 مارس 2014 - 16:52

 

تصوروا… هناك معتقلون يقضون شهورا عدة قبل البدء بمحاكمتهم، إلى درجة أن بعضهم يتجاوز اعتقاله احتياطيا المدة التي يحكم بها عليه في حالة ثبوت إدانته، فيقولون : «حكم عليه بما قضى»، والسبب هو أن جل وكلاء الملك ونوابهم لا رحمة في قلوبهم، أما عقولهم فإنها مسكونة بهواجس الأمن المرضي.

ماذا يضير وكيلا للملك أو وكيلا عاما للملك أن يتابع شخصا وقع شيكا بدون رصيد في حالة سراح، وأن يسحب جواز سفره ويغلق في وجهه الحدود؟ لماذا ترفض النيابة العامة تلقائيا الأغلبية الساحقة من طلبات السراح المؤقت؟ إلى درجة أن أصبح في المغرب ما يزيد على 35 ألف مواطن في السجن دون حكم، والأدهى من ذلك أن النيابة العامة لا تعرف أن سجون الدولة المغربية ضيقة، وأن هناك اكتظاظا في السجون تموت بسببه الحشرات، دعك من البشر، وأن هناك زنازين ينام فيها السجناء على ظهورهم طيلة الليل خوفا مما تعرفون. وهناك سجون يستوطنها القمل والفئران والحشرات الضارة والأفاعي والبرغوث والميكروبات منذ زمن طويل، حتى إن هذه المخلوقات صارت لها حقوق مكتسبة في سجون المملكة، ويصعب إقامة دعوى الإفراغ عليها. هناك سجون مثل الثلاجات في الشتاء ومثل الفرن في الصيف، وهناك سجون لا تدخل الشمس إلى زنازينها كما لا تدخل الرحمة إلى قلوب سجانيها، وهناك سجون فيها من المخدرات أكثر مما فيها من طعام، وهناك سجون مدرة للدخل أكثر من مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، كل شيء فيها يباع ويشترى، بما في ذلك النساء والغلمان وكرامة البشر، وهناك سجون تصعد منها دعوات المظلومين إلى السماء ليس بينها وبين الله حجاب.

وكل هذا يصبر عليه السجناء، لكن ما لا يصبرون عليه هو التعذيب المادي والنفسي الذي يتعرضون له من قبل جل موظفي السجون، الذين يعتبرون عملهم كل يوم بمثابة جهاد ضد الكفار المسجونين، وأن كل من تخطى عتبة السجن إلى داخله صار بلا حقوق ولا كرامة ولا إحساس ولا إنسانية، وأن موظف السجن يده ولسانه، وربما أعضاء أخرى، حرة في جسد السجين المستباح، وإلا لماذا جاء به المخزن إلى هنا؟ إن المخزن لا يظلم أحدا! 

هذه ليست لقطات من سجون القرون الوسطى، ولا مقاطع من سيناريو فيلم تاريخي من سجون أيام زمان.. هذا واقع موجود الآن في سجون المملكة التابعة رسميا لرئيس الحكومة، الذي لا يتوفر في ديوانه ولا في مكتبه على مستشار واحد أو موظف مخول لمتابعة ملف السجون من المندوب السامي للسجون، رغم أن بنكيران هو نفسه كان أحد نزلاء الكوميساريات في السبعينات، وذاق بعضا من «فنون الضيافة المغربية وأصولها وراء القضبان»، إلا أنه لا يعتبر أن 70 ألف مواطن مسلوبي الحرية والكرامة لهم حقوق عنده، أما زميله في العدل، مصطفى الرميد، فلا نية له في استعادة هذه المندوبية إلى وزارة العدل فهو في غنى عن «صداع رأس جديد». 

هذه ليست اتهامات ولا بيانات حقيقة من المنظمات الحقوقية، هذه تجاوزات تجدونها في تقرير رسمي صادر عن مؤسسة وطنية ودستورية اسمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان قبل سنة ونصف، ولم تر توصياته النور إلى الآن. 

اليوم هناك مندوب جديد على رأس إدارة السجون وهو نفسه من قدماء خريجي المؤسسة السجنية، حيث كان معتقلا سياسيا على أفكاره، وهو إذن لا يحتاج إلى مقالات الجرائد حول سجونه، ولا إلى مطالعة البيانات الحقوقية، ولا إلى التقارير الدولية. يحتاج فقط إلى أن يتقي الله في 70 ألف شخص موضوعين في رقبته، وعليه أن يحميهم أولا من ظلم سجانيهم، وأن يضمن كرامتهم قبل مأكلهم ومشربهم ونومهم وصحتهم وسلامة أجسادهم، وأن يذهب إلى رئيس الحكومة ويسأله: «هل 10 دراهم في اليوم المخصصة لأكل وشرب السجين تكفي لكلب؟»، عليه أن يقول له إن الميزانية المخصصة للسجون في صورتها الحالية شكل من أشكال التعذيب، يُسأل بنكيران عنه أمام القانون وأمام الله، وعلى السيد التامك أن يذهب إلى وزير العدل وإلى البرلمان ويقنعهم بأن حل معضلة السجون يبدأ، أولا، من تطبيق العقوبات البديلة، وإحداث ثورة في القانون الجنائي وعقوباته، وتغيير منظور الدولة والمجتمع عن السجن، فهذا الأخير ليس انتقاما ولا عقابا للسجين، بل هو فقط إبعاد للفرد المدان عن المجتمع، وإعادة إصلاحه وتأهيله استعدادا لإعادة إدماجه، أما حسابه فعند ربه.. البشر لا يعاقب بشرا مثله. على السيد التامك أن يقوم بحملة تطهير في صفوف موظفي السجن غير القابلين للإصلاح، وإعادة تربية المستعدين لأن يتوبوا إلى الله على قيم حقوق الإنسان، وعليه أن يرفع من أجور هؤلاء وتعويضاتهم، وأن يؤمن سلامتهم، ويراجع ساعات عملهم حتى لا يضطروا إلى البحث عن موارد أخرى من جيوب المسجونين، وإذا عجز السيد التامك عن ذلك، فليضع المفتاح في مكتب بنكيران ويرجع إلى بيته، فأرض الله واسعة.

شارك المقال

شارك برأيك