مجتمع متوجس

30 مايو 2014 - 17:16

 أن ما يعرضه رئيس الدولة كان متقدما بشكل ملحوظ عن المجتمع المغربي ونظرته إلى المرأة. استحسنت ما سمعت وتحمست له وقلت مع نفسي، مثل العديد من المغاربة والمغربيات على الأرجح، إن هذه المدونة الجديدة ستكون مثل تلك الطريق المعبدة التي انتظرها طويلا أهل قرية عالقة ومنسية هناك بين جبال الأطلس الوعرة، وأنها ستحرر هذا المجتمع من قيود «العزلة الحضارية» وستخول له، بعد بضع سنين، التقدم على قدميه (المرأة والرجل.. الذكر والأنثى) وبخطى حثيثة وفي كامل توازنه نحو المستقبل، مستقيم الظهر مرفوع الرأس. 

ولكن يبدو أن تفاؤلي هذا، وهو على كل حال سلاحي الأكثر وفاء، لم يكن دقيقا في تصويبه. ها قد مرت عشر سنوات كاملة على الشروع في تطبيق المدونة ولم تفلح بعد في جعل هذا المجتمع يُقلع عن عدة «عادات»، تعيق تقدمه نحو الحداثة الحقيقية، ولعل في مقدمتها زواج القاصرات. بل إنها لم تستطع تقليصه، إذ تضاعف، حسب الإحصاءات التي كشفت عنها وزارة العدل والحريات، أول أمس، حيث انتقل عدد هذه الزيجات من 18300 تقريبا في 2004 سنة الشروع في تطبيق المدونة، إلى أزيد من 35 ألف حالة السنة الماضية!

وكنت أظن أن زواج القاصرات منتشر أساسا في القرى والبوادي وكل تلك المناطق التي مازالت تشكو من العزلة والإهمال والتهميش، ولكن إحصاءات وزارة العدل صفعتني بحقيقة تبعث حقا على التأمل: هناك «مساواة» (!) بين سكان القرى والمدن في الإقبال على هذا النوع من الزيجات، بل إن معطيات السنة الماضية تُبين أن عدد حالات زواج القاصرات بالوسط الحضري أكبر من عدد الزيجات المسجلة في الوسط القروي.

ولعل في هذه الإحصاءات، التي تم تسجيلها بعد مرور عقد كامل على الشروع في تطبيق مدونة الأسرة، دليل آخر على أن الميكانيزمات الداخلية لمجتمعنا مازالت تقاوم بشراسة فكرة تبني ولو إحدى القيم المبدئية فقط، للحداثة، والمتمثلة في عدم شرعنة اغتصاب من يعتبرهم القانون قاصرات، رغم  كل المظاهر الخادعة والبراقة التي توحي بأنه قد قبل الارتماء في أحضان القرن 21 والانتماء إليه.

إن حصيلة تطبيق المدونة، وهي نص متقدم في العديد من بنوده، تؤكد أن المجتمع المغربي مازال يتوجس من فكرة الانخراط بشكل كامل في هذه الطريق التي فتحت أمامه، ومازالت التقاليد المحافظة التي تُسيّج وعيه ولاوعيه، شديدة القوة، وقادرة على «مقاومة» كل القوانين التي تحاول زحزحتها. 

وهذه المقاومة ستظل قوية ولن تفلح كل النصوص القانونية، مهما كانت متقدمة وتصبو إلى الارتقاء إلى مرتبة الحداثة، في إضعافها فما بالك بالقضاء عليها، مادام العنصر الأساسي لأي حداثة غائبا، وأعني به الفرد الكامل في فردانيته.. ذلك الفرد الذي تكون له القدرة النفسية أساسا على مواجهة كل التقاليد والممارسات الموروثة التي لم تعد تتلاءم مع عصره.. ذلك الفرد الذي سيكون قادرا على السير بثقة كاملة على الطريق التي عبدتها مدونة الأسرة، والطرق الأخرى التي ستعبدها قوانين أخرى لبلوغ الحداثة الحقيقية. 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي