15 سنة من الحكم.. وقفة تأمل 

30 يوليو 2014 - 13:04

 دستور جديد ومتقدم لأحزاب تقليدانية ومخزن لا يريد أن يموت. اقتصاد ليبرالي يشجع الاستثمار في بيئة غير تنافسية تفتقر إلى الحكامة والشفافية. اهتمام كبير بالتضامن الاجتماعي ومقاومة الهشاشة في بيئة معطوبة تجر متأخرات عقود من الزمن. حرص على عدم خسارة ملف الصحراء دون القدرة على حسمه مع جار عنيد لم يخرج بعد من زمن الحرب الباردة. إدارة الحقل الديني بانتباه كبير لخطورة المقدس في ظل وضع إقليمي ودولي يتميز بصعود التطرف والعنف الديني. إدماج جزء من الإسلاميين في بنية الحكم، وإبعاد الذين ينازعون في الشرعية الدينية للجالس على العرش. الانفتاح على الربيع العربي بقدر محسوب ثم إقفال القوس دون الانخراط في موجة الانقلابات على الحكومات الإسلامية. احترام الأجندة الانتخابية دون المس بالتوازنات السياسية القديمة. ترك هامش للصحافة يكبر ويصغر حسب الظروف، لكنه لا يخرج عن الخطوط الحمراء. الاهتمام بحقوق الإنسان لكن دون التفريط في هيبة الأمن ومؤسساته. تفكيك لغم المسألة الأمازيغية والاعتراف بها في الدستور في انتظار تفعيلها على أرض الواقع….

هكذا يبدو المشهد من فوق لحصيلة 15 سنة من حكم الجالس على العرش. محمد السادس، الذي تولى الحكم وعمره 37 سنة، اليوم صار عمره 51 سنة، والملك الذي أتى إلى السلطة بلا سوابق سياسية، الآن له حصيلة فيها الإيجابي والسلبي، كما كل حكام الأرض ملوكا ورؤساء، لكن يبقى السؤال هو: أي مشروع مجتمعي يجمع شتات السياسات العمومية والمبادرات الإصلاحية.. مشروع يشكل بوصلة لكل الفاعلين، مركزيين وثانويين، في اتجاه بناء دولة عصرية متقدمة ديمقراطية، لها إشعاع إقليمي ودولي، واقتصادها قوي يوزع الوفرة ولا يدبر الندرة.. بلاد تعيش على اقتصاد الإنتاج لا اقتصاد الاستهلاك والقروض والإعانات الدولية، التي لم يسبق أن أخرجت بلادا من التخلف والفقر؟ 

إنه سؤال كبير ومعقد، وليس من وظيفة الملك وحده أن يضع هذا المشروع أو يقوده بمفرده، بل هو مشروع أمة ونخبة ومجتمع ومؤسسات، لكن مسؤولية الفاعل الاستراتيجي في الحقل السياسي، أي القصر، كبيرة في تهييء المناخ المناسب لميلاد هذا المشروع، والباب الرئيس المؤدي إليه هو إدارة ثلاثية: الثروة والسلطة والجاه، بطرق حديثة وديمقراطية وتنافسية تسمح للمجتمع بالمشاركة الفاعلة والتحرر من الخوف أو الانعزال أو اليأس الذي يضرب المواطن في عمق بنية تقليدية تزيدها السلطة تقليدانية يوما بعد آخر… 

هناك الكثير من الإصلاحات التي قام بها الملك محمد السادس في شتى المجالات، وهناك آلاف الكيلومترات التي يقطعها كل سنة للإشراف على مشاريع اقتصادية واجتماعية، حتى لقب بملك الفقراء، وملك عرشه فوق سيارته، وملك بدون عاصمة سياسية، لأنه يطوف البلاد شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، طوال السنة لتفقد المشاريع لأنه لا يثق في وجود مؤسسات قادرة على الاشتغال لوحدها دون رعاية ملكية، وهذا مجهود إنساني وسياسي كبير يبذله الملك، لكن مع ذلك لا بد من الاعتراف بأن بلادنا مازالت في خانة البلدان النامية، وأن ترتيبها على لائحة التنمية البشرية مازال مخجلا، في حين أن دولا أخرى استطاعت في ظرف 10 إلى 15 سنة تحقيق قفزات كبيرة جداً، مثل تركيا وجنوب إفريقيا والبرازيل، وكل هذه البلدان كانت غارقة قبل عقد من الزمان في مشاكل كبرى اقتصادية وسياسية واجتماعية لكنها خرجت منها، ورفعت رأسها بفضل مفتاح الديمقراطية والاستقرار ومحاربة الفساد وتشجيع الاستثمار وتوسيع مجال المشاركة وإصلاح أعطاب الدولة واكتساب احترام الغرب…

سنسمع كلاما كثيرا، من الإعلام العمومي والخاص، عن تمجيد الذات وعن الإنجازات العظيمة، وعن بركات الدولة المغربية وثمار الخير والنماء التي لا حصر لها، لكن الأرقام عنيدة ولا تكذب، وإطلالة على موقعنا في الاقتصاد العالمي تعطيكم فكرة عن حقيقة واقعنا.. مازالت أمامنا أشواط كثيرة للعمل وللابتكار وللإصلاح فقط لو وقفنا للتأمل.

شارك المقال

شارك برأيك
التالي