رشيد اعمر
لمواجهة آثار الزلزال الرهيب الذي تعرض له مغربنا الحبيب في منطقة الحوز وخلَّف خسائر بشرية ومادية لا تُتَصور، تم إِعمال مبدأ التضامن حيث هَبّ الشعب المغربي عن بكرة أبيه باختيارية وبروح تطوعية لمساندة ساكنة الحوز وللتخفيف من مخلفات هذا المصاب الجلل.
وعلى المستوى الرسمي تم إحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم » الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال الذي عرفته المملكة المغربية » مُخَصَّص لتلقي المساهمات التطوعية التضامنية للهيئات الخاصة والعمومية والمواطنين لِتحَمُّل جميع النفقات المرتبطة بتدبير آثار هذا الزلزال.
ويروم هذا الحساب التكفل بالنفقات المتعلقة أساسا بالبرنامج الاستعجالي لإعادة تأهيل وتقديم الدعم لإعادة بناء المنازل المدمرة، وبالتكفل الفوري بكافة الأشخاص بدون مأوى، حيث تقتطع هذه النفقات من موارد هذا الحساب المحددة أساسا في المبالغ المدفوعة من الميزانية العامة ومساهمات الجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية والقطاع الخاص والهبات والوصايا المقدمة من طرف المغاربة المقيمين بالمغرب أو بالخارج (المرسوم رقم 2.23.811 بتاريخ 11 سبتمبر 2023، جريدة رسمية عدد 7229مكرربتاريخ 11 سبتمبر 2023).
وفي هذا السياق تناقلت الأخبار ما يفيد بأن هذه المساهمة إلزامية على شرائح من الموظفين وأعوان الدولة والجماعات الترابية ومستخدمي المؤسسات والمقاولات العمومية، مما دفع البعض لرفض هذه الإجبارية بدواع دستورية واجتماعية.
فإلى أي حد تدور هذه المساهمة التضامنية بين الإجبار والاختيار؟
• دستوريا
الفصل 39 من الدستور ينص « على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور »، بما يَشِي بأن الجميع يتحمل التكاليف العمومية المقررة قانونا وذلك على قدر استطاعة كل مواطن…من قَبِيلِ الضريبة على الدخل المفروضة حسب قدرة كل مُلزَم بصفة تصاعدية…
ولئن كانت هذه التكاليف تتميز:
– بالدورية،
– والاستمرارية القانونية، فإن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث والتكاليف المتعلقة بها تتسم:
– بالوقتية،
– والاستثنائية لمواجهة حادث خطير فجائي كالزلازل.
وهكذا نص الفصل 40 من الدستور على أنه «على الجميع أن يتحمل بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد »
وقراءة هذا الفصل تفيد بأن المساهمة:
– تضامنية،
– تناسبية حسب قدرة كل متضامن.
وهنا نتساءل عن المقصود بالتضامنية؟
فإذا كان المراد انها اختيارية وتطوعية فهي حقا تضامنية لأن المتطوع يقوم بالمساهمة في إطار تضامني وطني وأخوي …أما إذا كانت المساهمة إلزامية.. فهل نظل في إطار التضامن التطوعي أم ننتقل إلى الإلزامية التي يمكن نعتها بالتضامن الإلزامي؟
ولنتفق على أن التضامن تطوعي، غير أنه إذا اقتضت الضرورة القصوى، بناء على تقدير الجهات المختصة، فإنه يتم الانتقال إلى التضامن الإلزامي شريطة التحديد الدقيق للقدرة على الاستطاعة وتناسبية المساهمة…وفي غياب هذا الشرط فإن التضامن يرتكز على أُسِّ الاختيارية والتطوعية.
• اجتماعيا
بخصوص حالة « زلزال الحوز » بزغت وتجلَّت للعيان صور مُشرِقة ومُشرِّفة لتضامن مواطنات ومواطنين فقراء ساهموا بخبز أبنائهم…كما لم تتخلف فئات من هذا المجتمع الكريم لتقديم يد العون …ومِنْ بين فئات الموظفين وأعون الدولة والجماعة الترابية ومستخدمي المؤسسات العمومية والمقاولات المتضامنة مَنْ ساهم نقدا في الحساب الخصوصي الآنف الذكر أو عَيْناً بما يفوق أجرة ثلاثة أيام تطوعا وليس إجبارا…علاوة على أن غلاء الأسعار ومخلفات أزمة كورونا والدخول المدرسي أرهقت ميزانيات الأسر المغربية المتوسطة ناهيك عن تلك التي تتَرنَّح على عتبة وخَطِّ الفقر قبل السقوط…
ولئن كانت هذه الأسباب وغيرها، أَلْجَأَت الحكومة في منشورها رقم 2023/12بتاريخ15 شتنبر 2023 لِتُضفِي على المساهمة التضامنية صفة الاختيارية والتطوعية …فإنها، في اعتقادي، لم تجانب الصواب ووافقت روح الدستور … لاسيما في ظل غياب تام لتحديد القدرة على الاستطاعة وتناسبية المساهمة.
*دكتور في العلوم القانونية