جَرت طبيعةُ الأشياء أن دوامَ الحال هو المستحيل، وأن تغيُّــر الحال هو الطبيعي والعادي. وجرت الأمُور أن الأيامَ دُوَل، تتغير بتغير الحال في الأنفس والمحيط والهمة.
وجرت في أحوال الأمة المغربية صولات وجولات وملاحم ونكسات وهزائم وفتوحات وانتصارات صنعها شعب الأمة بعرقه ودمه، فتفرد في أحزانه وفي أفراحه، حتى في ألوان الحداد جعلها بيضاء وهو ما تميز فيه المغاربة عن سواهم.
وجاء في سُنن التغيير أنه يكون بكارثة طبيعية، زلزالا أو فيضانا أو بركانا أو جفافا، أو كِسَفا من السماء يسقط بعض منها على الأرض، مثلما وقع في نيزك أهْـلَـك الديناصوراتِ؛ أو يكون بحرب أهلية يقتل الأهـل بعضَهم بعضا؛ أو يكون بغزو خارجي واجتياح قوة أجنبية غاشمة لا ترحم المغزُوَّ ولا ترقُب فيه إِلاًّ ولا ذِمّــةً؛ أو يكون بتوافق أهل بلد معين بمكوناتهم ونخبهم وسادتهم وكبرائهم ويتصالحون على حد أدنى من المصالح المشتركة حكمةً منهم وتوافقا منهم على حفظ الدم والمال والعِرْض والسِّلْم الأهلية حتى ينجوَ الهيْكــلُ ومن فيه.
وهذا المشهد الأخير نادرا ما يقع في التاريخ حسب ما بلغنا من علم. إذ الأغلبية تتركز في المشاهد الثلاثة الأولى.
واليوم، واجهت أمتنا بشجاعة وثبات زلزال الأرض من تحت الأقدام، ومن قلب المغرب الأطلسي زلزالا قدَّره علماءُ الأرض بما يُناهـــز ثلاثين قنبلةً ذريةً من قَبيل تلك التي ألقاها الرئيس هاري س. ترومان على هيروشيما وناغازاكي سنة 1945 لإجبار اليابان على الاستسلام؛ قوة لو قُـــدِّر لها أن تمر إلى مراكش المحروسة لسَوَّتْهـا بالأرض، ولَأَبْـقَـتها أثـراً بَعْـد عيْن. ولكن الله سَلّــم، ولَطَف.
وكان على الأمة المغربية منذ الثواني الأولى بعد أن تلقت نبأ الفاجعة أن تتحرك وتمضي قُدُمـا صابرة محتسبة، وتمتص الضربة لأن الزمن لا يعود القهقـــرى. وإنما يمضي قُـدُمـا، بل إن الأمة لم تنتظر إعلان الأمم الشقيقة والصديقة التضامن وإرسال المساعدات، وإنما شَمَّــر المغاربة عن ساعد الجدية، وقاموا بتلقائية ستُدَرَّس في الجامعات والمدارس السوسيولوجية، كما تُدَرَّس خطط هنبعل وخالد بن الوليد وغيرهما في الكليات العسكرية إلى اليوم.
وتفاعلَ العالمُ ووسائلُ إعلامِه مع هاته الهبَّة التي بيَّـنت أن الأمةَ هي التي تحتضن الدولةَ وليس الدولةُ من صنع الأمةَ المغربيةَ.
إن التاريخ المغربي يزخر بكثير من التفاعلات والخبرة والتجربة مع الأوبئة والجوائح والمجاعات التي عرفتها البلاد، وكيف تصدت لها الأمة وقادتها بفعالية وقوة، بل وخرجت منها سليمة معافاة وأكثر مناعة وقوة. ونذكر مثالين فقط: طاعون أصاب المغرب في القرن التاسع عشر في عهد السلطان المولى سليمان، حيث ذهب بنصف سكان المغرب، وجائحة الفيروس التاجي المعروف بكورونا في العصر الحالي.
والحقيقة أن الأمم التي استطاعت الخروج من هاته الكوارث الطامة هي تلك الأمم المتجذرة في التاريخ والحضارة، ولا عجب أن يكون المغرب في مقدمتها بإمكانياته الذاتية وتعبئة الأمة بكل مكوناتها من أقصى رأس سبارتيل (عند طنجة) إلى الكويرة، ومن أقصى طرف حدودي من الشرق إلى غربها في مسيرة قوافل أبانت عن حب وتفان وقوة معدن لا تقل صلابة عن قوة جبال الأطلس وصلابتها. وهذا التلاحم والانسجام لا يظهر إلا في الأوقات الجدية التي تمس الكيان وتَعْبُــــر إلى أعماقه السحيقة، فلا يتأخر أمير المؤمنين أو يتقاعس ولا يتأخر من لا يملك غير خاتم يجود به وهو في خصاصة خصاصته، كما ظهر في حال تلك المرأة التي أتت (هي وابنتها لتعلمها وتورثها القيم المغربية الأصيلة)، أو في حالات أخرى مما أظهرته وسائل التواصل الاجتماعي أو مما حصل ولم يبلغنا ذِكْره، ولكن المؤكد أن كثيرا من المغاربة كانوا مثل أميرَ المؤمنين وكانوا مثل تلك المرأة ذات الخاتم. لحمة لم تنل منها عداوات فرنسا بالتحديد ولا صنيعتها بالجوار التي لو قبل المغرب منها صدقتها الضِّرار لَمَــا نجا من منِّهــا وأذاها أبد الدهر. ولكن لما كانت الأمة المغربية وقيادتُها هبَّــت فلبت نداء الوطن بالروح وبالجسد ما بقي مجال لصدقة فرنسا وصنيعتها المُتْحفيّة، فكما قالت العرب: “طعامُ الكريم شِفاءٌ، وطعامُ اللئيم داءٌ.” وما كان المغربي قيادةً وأمةً أن يقبلا إلا شفاءً، وما كان لهما إلا أن يطردا ما كان داءً.
إن المغرب بعد الزلزال لن يكون مثل المغرب ما قبل الزلزال. فحركة الأرض هذه لم تأت من مكان قصي أو جانبي أو هامشي، بل أتت من قلب الأطلس، فقد ضحت الأرضُ بمعلمة المسجد الأعظم بتنمل بقلب أطلسنا الشامخ لترشدنا إلى آية من الآيات التي ينبغي الانتباه إليها انتباها بحس مرهف، وقوة وعي كبيرة. المسجد الأعظم رمـز قراءة الحزب الراتب بعد صلاة المغرب وبعد صلاة الصبح، وهي بدعة دأب عليها المغاربة منذ 900 سنة، وبها حافظ المغاربة على قوتهم ووحدتهم اللسانية والمذهبية والفكرية والروحية وعلى كتابهم الكريم. وهي من جهة أخرى لآية من آيات السياسة والتاريخ. فالمسجد في قلب مهد الدولة الموحدية العظيمة التي خضع لسلطانها كل المغرب العربي الكبير والأندلس وأجزاء من أعماق إفريقيا. وزلزلة هاته المنطقة بالضبط هو أذان حضاري وسياسي واجتماعي أن ساعة التغيير، قد أزفت وساعتَها قد قامت. فالموقف الحضاري الحالي للمغرب تعاظم، وأن الوعي بذات المغربي وقيمته وقته وواجبه نحو بلده قد أزِف. ما يتطلبه الزمن والإنسان والتراب أعظم مما يطمح إليه الأفراد؛ لأن الفرد يروم الخلاص الفردي، لكن الأمة والدولة لا تروم أقل من الخلاص الجماعي. والموافقة بين الأمرين حفظ للتوازن وورش كبير كلنا نشترك في حمل همه ومسؤوليته.
شريط الأخبار
البطولة: الشباب الرياضي السالمي ينتصر على اتحاد تواركة بهدف نظيف
البطولة: الرجاء البيضاوي إلى الصدارة مناصفة مع الجيش الملكي عقب الانتصار على نهضة الزمامرة
الجيش الملكي يستأنف قرار العصبة القاضي بإجراء خمس مباريات بدون جماهيره
المرأة العاملة وصحتها النفسية موضوع دورة تكوينية برعاية وزارة التشغيل
البطولة: الفتح الرياضي يرتقي للمركز الرابع عقب التعادل مع اتحاد طنجة
كوبا أمريكا 2024: الأرجنتين حامل اللقب ووصيفه البرازيل في مجموعة صعبة
أمن طنجة يطيح بمواطن جزائري مبحوث عنه وطنيا في قضية جريمة قتل وقعت بمراكش
البطولة: نهضة بركان إلى الصدارة مناصفة مع الجيش الملكي والرجاء عقب الانتصار على أولمبيك آسفي
الدانمارك تقر قانونا يحظر حرق القرآن
أخنوش يستقبل رئيسة الهيئة المغربية لسوق الرساميل
إذا زُلزِل المغربُ زلزالَه، وأخرجت الأمَّةُ رجالَه
21 سبتمبر 2023 - 20:53
