وسيم حداد: "كايسيد" تؤمن بأن المؤسسات الدينية والإعلام شركاء في مواجهة خطاب الكراهية (فيديو)

19 سبتمبر 2025 - 17:00

شدّد وسيم حداد، مدير البرامج بالمنطقة العربية، في مركز الملك عبد الله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (كايسيد)، على أن مواجهة خطاب الكراهية في المنطقة العربية لا يمكن أن تتحقق إلا عبر شراكة حقيقية بين المؤسسات الدينية، ووسائل الإعلام، ومؤسسات التربية والتعليم.

وأوضح حداد في حوار مع « اليوم 24″، أن هذه الأطراف الثلاثة قادرة، كل من موقعها، على نشر ثقافة الحوار والعيش المشترك، وتعزيز قيم التسامح والمواطنة المشتركة، في وقت تتزايد فيه التحديات المرتبطة بتبرير العنف باسم الدين، وانتشار خطابات الإقصاء عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.

كما توقف حداد عند التجربة المغربية التي وصفها بـ »الفريدة والملهمة »، مشيدًا بمبادراتها التاريخية والحديثة في حماية التعددية وتعزيز ثقافة التسامح.

***

ما هو دور المؤسسات الدينية لتعزيز الحوار بين الأديان ومحاربة التطرف؟

نحن نعتقد في مركز الملك عبد الله أن للمؤسسات الدينية دورًا أساسيًا، فهي شريك رئيسي في الحوار، ولها تأثير كبير في المنطقة العربية وخارجها على أتباع الأديان. وبالتالي يمكن أن يكون لها دور محوري في بناء الجسور، وتعزيز الثقة، ومحاربة المفاهيم الخاطئة عن الآخر. وأعتقد أنها تتحمل مسؤولية دينية واجتماعية كبيرة في اتخاذ مواقف تدعم الحوار والعيش المشترك وثقافة التسامح.

كما أرى أن المؤسسات الدينية كانت المتضرر الأول من استخدام العنف باسم الدين، الأمر الذي فرض عليها إعادة ترتيب أولوياتها، واتخاذ مواقف معلنة لتعزيز الثقة وبناء جسور التواصل، وتأمين مساحات مشتركة للحوار من خلال تأثيرها المباشر على أتباع الأديان والثقافات.

كيف تنسقون جهودكم مع الرابطة المحمدية للعلماء في هذا المجال؟

في عام 2018 أطلقنا مبادرة مهمة جدًا في المركز، وهي « منصة الحوار والتعاون بين القيادات الدينية المتنوعة في المنطقة العربية ». هذه المبادرة تشكل مظلة إقليمية لمؤسسات دينية من مختلف البلدان العربية، ومن خلالها ينفذ المركز العديد من المشاريع الحوارية لتعزيز ثقافة الحوار والعيش المشترك، بالتنسيق المباشر مع أعضاء المنصة.

ونحن سعداء جدًا بأن « الرابطة المحمدية » عضو مؤسس فيها، ولها ممثل مباشر في اللجنة التنسيقية الإدارية، التي تضع سياسات وبرامج « كايسيد »  وآليات عمله في المنطقة العربية. ومن هنا تنشأ علاقة مباشرة، سواء في تنفيذ مشاريع حوارية في المغرب أو في المنطقة العربية ككل.

كيف تنظرون إلى التجربة المغربية في مجال تعزيز الحوار بين الأديان؟

نحن نؤمن في المركز بأن التجربة المغربية تجربة فريدة من نوعها، ويمكن للعديد من الدول أن تتعلم منها، ولهذا نحن موجودون في المغرب. فالمملكة المغربية لها باع طويل في الحوار ونشر ثقافة التسامح، ليس فقط في العصر الحديث، بل منذ قرون طويلة، حيث كانت أرضًا لتلاقي الحضارات والأديان والثقافات.

على سبيل المثال، يُعدّ « إعلان مراكش لعام 2016 » نقلة نوعية في موضوع الحوار وحماية حقوق الأقليات، وهو اليوم مرجعية دولية في هذا المجال. وقد كان المغرب سبّاقًا في هذا المسار، حيث جمع الإعلان قيادات دينية إسلامية وغير إسلامية من مختلف أنحاء العالم.

كما كان لنا خلال وجودنا بالرباط لقاء مع وزارة التربية، ضمن مبادرة ينفذها المركز بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدينية، وبمشاركة الرابطة المحمدية و »برنامج الأمم المتحدة الإنمائي »، لنشر ثقافة الحوار والتسامح والعيش المشترك في المدارس وبين الشباب، باعتبارهم حاملي هذه الرسالة.

كذلك زرنا الأضرحة الملكية، حيث استذكرنا الموقف التاريخي للملك محمد الخامس عندما رفض طلب السلطات النازية بفرنسا بترحيل اليهود المغاربة، وأكد قائلاً: « أنا أمير المؤمنين ولست أمير المسلمين، ومسؤوليتي حماية جميع المغاربة باختلاف دياناتهم وثقافاتهم ». لذلك، أعتقد أن قضية الحوار جزء أصيل من الهوية الوطنية المغربية.

ماذا عن دور الإعلام في تعزيز مفاهيم الحوار؟

نحن نؤمن في « كايسيد » بأن الإعلام شريك استراتيجي لا غنى عنه في نشر ثقافة الحوار والعيش المشترك. ومن هذا المنطلق أطلق المركز برنامج « صحافة الحوار »، وهو الأول من نوعه في المنطقة العربية، يعمل عبر برنامج « زمالة » يمتد عامًا كاملًا، ويجمع صحفيات وصحفيين من مختلف الدول العربية المهتمين بقضايا الحوار.

اليوم يضم هذا البرنامج نحو 80 صحفيًا وصحفية يعملون في مؤسسات إعلامية متنوعة، سواء مكتوبة أو مرئية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ونحن قريبون من إطلاق « شبكة صحافة الحوار » في المنطقة العربية. ونرى أن مواجهة خطاب الكراهية – وهو تحدٍ عالمي وليس عربيًا فقط – لا يمكن أن تتحقق إلا بخطاب إعلامي بديل، يقوم على التقبل والانفتاح ونشر ثقافة الحوار.

ما هي في اعتقادكم التحديات التي تعترض تعزيز التعايش السلمي ومواجهة خطاب الكراهية والعنف؟

هناك العديد من التحديات، أهمها استغلال الدين وتبرير العنف باسمه في السنوات الأخيرة، وهو ما أفقد الناس الثقة بدور المؤسسات الدينية في تعزيز الحوار والعيش المشترك.

كما أن خطاب الكراهية تحدٍ كبير، ينتشر بشكل واسع عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. لذلك لا بد من مواجهته بخطاب يقبل الآخر، وينشر ثقافة الحوار، ويعزز المواطنة المشتركة.

من التحديات أيضًا الجهل بأهمية الحوار وسوء الفهم لمفهومه، إذ يظن البعض أنه يهدف إلى دمج الأديان، بينما هو في الحقيقة يقوم على بناء أرضية مشتركة وجسور للتواصل، والمساهمة في تعزيز الاستقرار وبناء مجتمعات مستدامة.

هناك أيضًا بطء أو قصور في نشر ثقافة الحوار على نطاق واسع، ما يجعلنا نؤكد على أهمية دور الإعلام والتربية معًا في ترسيخ قيم الحوار لدى الأجيال الناشئة.

حدثنا عن مشاريع « كايسيد » في إطار دعم مبادرات الحوار ومحاربة خطاب الكراهية؟

منذ إطلاق مشاريعه في المنطقة العربية عام 2015، يعمل مركز الملك عبد الله (كايسيد) على مساعدة المؤسسات الدينية والحكومات والمجتمع المدني في بناء وتعزيز الحوار.

أطلقنا عدة مشاريع مهمة، أبرزها « منصة الحوار » للتعاون بين المؤسسات والقيادات الدينية في المنطقة العربية، وتحتها مشاريع متعددة، منها، المشاريع الحوارية 360: أُطلق عام 2020 أثناء أزمة كورونا، لدعم المجتمعات المحلية في مواجهة الأزمات وخطاب الكراهية وتعزيز المواطنة المشتركة. بدأ بـ60 مشروعًا، ثم 40 في العام التالي، ووصل اليوم إلى 199 مشروعًا في 14 دولة عربية. اسمه « 360 » يعكس رغبتنا في أن يكون هناك مشروع حواري يوميًا في أي مكان من المنطقة العربية.

لدينا أيضا مشروع زمالة الصحافة للحوار، لتعزيز التعاون مع الإعلام وبناء شراكة استراتيجية للمساهمة في السلام والحوار. ثم مشروع « هي للحوار »، خاص بالنساء: يهدف إلى تمكين القيادات النسائية العربية للمشاركة الفاعلة في الحوار.

لدينا أيضا مشاريع مع الشباب، بالتعاون مع « الكشافة العالمية »، تم تدريب أعداد كبيرة من المنطقة العربية وخارجها ليكونوا سفراء للحوار.

ندرك أن الحوار لن يحقق نتائج حقيقية ما لم تُتبنَّ سياساته رسميًا، لذلك نعمل على مشروع بحثي مهم سينجز مع نهاية هذا العام، لتقييم السياسات المتعلقة بالحوار، وتعزيز العيش المشترك، وحسن إدارة التنوع، بهدف مساعدة الحكومات والمجتمع المدني على تطوير سياسات مناسبة تضمن أن يكون الحوار جزءًا أساسيًا من السياسات العامة في المنطقة العربية.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *