النجم القطبي الغائب

20 ديسمبر 2014 - 19:54

لم يفاجئني ما حصل السبت الماضي في مركب مولاي عبد الله بالرباط، فقد صرت متعودا على سيل الفضائح من فرط تكرارها في بلدي. كما لم تفاجئني كل هذه الضجة التي مافتئت تُثار حول «البونجة» و»الكراطة» و»السطل» و»الوزير» لأنني أعرف من زمان أن هذا البلد، وهذا المجتمع، اعتاد على الإسراع إلى الجلوس تحت شجرة ما، والاختفاء وراء جدعها حتى لا يرى الغابة، ويستسلم إلى ذلك الاطمئنان الخادع الذي يغمر المرء التائه لما يعثر على أي شيء يرمي عليه ثقل هذا التيه.

لا شك أن ما حدث، فضيحة ترتقي إلى مرتبة تلك «البلية» التي يقول العرب إن «شرها» ما يُضحك.. فضيحة مؤلمة حد الضحك المر.. ذلك الضحك الذي يغمرنا جميعا ونحن نلوك ونعيد الحديث عن تلك الصور التي نحس أنها عرّتنا أمام العالم. ونحاول عبثا التخفيف من وخزات ذلك الألم، الذي ضاعفت حدته التكنولوجيات الحديثة، بِمُرهّم هو خليط من السخرية والسخط.

إن ما حدث في مركب مولاي عبد الله بالرباط، وما جرى من انهيار لقناطر لم يمر على بنائها سوى أشهر في سوس قبل أسابيع قليلة، يكشف للكائن المغربي كيف يتصور القائمون على شؤونه مهامهم، ويذكره بما يعرف أصلا، أي أنه لا يوجد سوى في ذيل قائمة تلك المهام (هذا إن كان محظوظا ووجد له مكان). فهم لا يعتبرونه مصدر شرعيتهم، وبالتالي، فليس من واجبهم خدمته والوقوف على إنجاز كل ما هو ضروري لحياته أولا، وصورته ثانيا. وما على هذا الكائن سوى القبول بما «يتبرعون به» عليه والامتنان لهم، حتى وإن كان كل ما يُنجز مُقتطع من ماله ومن قوت أبنائه. وإن حدث مكروه، فالمسؤولية لا تقع عليهم، بل على من هم تحت إمرتهم، وإن حدث وتأجج بعض «الضجيج» حولهم، تراهم يسارعون إلى «تسكين» غضب الغاضبين، بـ «حرق» واحد أو أكثر من مساعديهم وتقديمهم إلى المحاكمة وسط ما تيسر من «عزف» جوقة الإعلام، يشارك فيها بعضهم بعفوية وحسن نية، أما بعضهم فتكون له مآرب أخرى. 

إن ما حدث يكشف في الواقع عن تصور الكائن السياسي المغربي لمفهوم «المسؤولية السياسية»، التي يعتبرها عالم الاجتماع الألماني ماكس فييبر «النجم القطب» الذي يهتدي به السياسي خلال ممارسته لنشاطه، والتي بدونها لا يمكن للشخص العادي أن يتحول إلى سياسي حقيقي. 

فالكائن المغربي الذي يتحمل مسؤولية ما لا يحس بأنه مسؤول عما يقوم به، بل يعتبر نفسه منفذا فقط، لإرادة جهة عليا هي التي وضعته في مركزه، ولا يقيم وزنا لأي أمر آخر سوى رضا أو غضب تلك الجهة التي يعتبرها مصدر شرعيته الوحيد.

فالكائن السياسي المغربي ليس مثل نابوليون الذي كانت له الشجاعة ليقول، غداة هيمنته على الحكم في فرنسا، «أنا أتحمل مسؤولية كل ما حدث لفرنسا منذ القديس لويس»، في إشارة إلى الملك لويس 9 الذي حكم فرنسا في القرن الثالث عشر. لذلك أرى من العبث أن نطلب من وزير الشباب والرياضة (أو غيره من الكائنات السياسية المغربية التي تدبر شؤون البلاد) الإقرار بهذه المسؤولية السياسية، وما يترتب عنها، لأن هذه المسؤولية، وكما يقول فلاديمير يانكليفتش، وهو مفكر فرنسي لا يعرفه كثيرون عندنا، «تفترض الشجاعة لأن تضعنا في النقطة القصوى للقرار»، ولكن لا أظن أن وزيرنا في الشباب والرياضة (أو غيره) يملكون هذه الشجاعة.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي