تحسس الرئيس صدام حسين بطون المحيطين به من كبار القوم، ثم أعلن مسلسل النحافة قائلا: «لا علاقة لهذه الأجساد المُترهّلة بالمهام التي تقوم بها» !
ووقفت نجوى فؤاد أمام الموسيقار محمد عبد الوهاب تطلب الغناء، فانتظر حتى انتهت من وصلتها وقال لها:
«دَعِي الغَناء وارقصي، فقوامك الرشيق أقرب إلى الناس من صوتك الأجش» !
وصدقت نبوءة الموسيقار، وتربعت نجوى فؤاد على عرش الرقص الشرقي بمصر.
نحن نكاد نفتقد هذه النظرة الثاقبة بسبق إصرار وترصد، ولذلك يقف عندنا على منصة الخطابة الألثغُ والخجول، وتدار المرافق ممن دفعت بهم فيضانات الأحزاب والقرابة إلى الواجهة ولا علاقة لهم بالمجال الذي يشتغلون فيه.
وأذكر في ما أذْكُرُ أن محاميا زارنا منذ عقود خلت يلتمس منا تشجيع ابنه على كيفية الترافع، ولمسنا عن كثب بُعدَ الولد عن الميدان استعدادا وتكوينا، بينما نجح الأب بوساطته المتعددة والمتكررة والنافذة في أن يوقف فلذة كبده على كراسي المسؤولية في أعلى مستوياتها، ولم يفلح في أي قطاع أنيط به، ولم يترك لمشاهديه سوى ضحكته الجميلة كلما تناول الكلمة !!
أنت لا تستطيع أن تنيط قطاع التعليم بتاجر لاختلاف المجالين، ولا تستطيع أن تسير قطاع الصحة بفيلسوف حالم وإلاّ هلك الناس، ولا تستطيع أن تجعل من الفلاح ميكانيكيا، ولا من الجزار كتبيا، ولا تبرر لي سوء الاختيار بما يمليه سعاة الاستوزار أو الكراسي المخمليّة على أحزابهم.
مثل هذا السلوك مدعاة للانهيار الفظيع، والواقع مِحَكٌّ.
وكم أشفقت على صاحبي ميسور الحال، وهو يسعى جاهدا ليصبح له موطئ قدم في الوجود، حتى لا يُعرف بماله فقط، وقد لمس فيه الماكرون هذا الضعف، فمرروه على الأحزاب كُلِّها وفي نهاية كل أسبوع يُنادى عليه لكي يهيئ بمنزله عشاء، فيُقدِّمُ الغالي والنفيس فقط، لكي يجلس على الكرسي الأمامي في كل تظاهرة تقام وأحيانا يُسْنَدُ إليه منصب وهمي يداعب رغبته المحمومة في الظفر بلُعْبَة العيد.
ينعكس انفصام العلاقة بين الشخص وما يقوم به عندما تستمع إليه خطيبا، أو تقيم حصيلة عمله خلال اضطلاعه بحقيبته، أو تسأل عن أسرار انْفراده بذلك المجال دون سواه، لتخلص في النهاية إلى أن مصلحة الوطن هي آخر هدف يسعى إليه هؤلاء.
فإذا سألت عن الحل وجدت الداء في هذا التناسل غير الشرعي بين الأحزاب، وهذا التهافت المنقطع النظير نحو الكراسي المخمليّة، وهذا الشرخ البادي من استرخاص المهام الكبرى وإسنادها لمن لا يعرف عنها شيئا، وقد ضحكت حتى استلقيت على قفاي عند ما سمعت وزيراً يقول «الدعارة» ويقصد بها الذَّعيرة وآخر يقول «الحوادق» جمع حديقة، ومنهم من يشبه تلك التي قيل لها في زمن المجاعة إن الناس لا يجدون الخبز فأجابتهم مندهشة: لم لا يأكلون الحلوى.
هذه الحالة من الزهايمر توجد عندنا وبذلك تشدني أغنية «لا علاقة» عندما أضعها في غير سياقها الوجداني. تقول الكلمات:
ـ لا علاقة
ـ انت ماشي تَالتَمَّا..
ـ وعودك حِبْر على ورقة
ـ هذا رأيي فيك ديما
ـ واخا ما عندي جمل ولا ناقة
الملاعب المائية ـ والقناطر السابحة، وجحافل المعطلين، ومواكب المطلقات. وعاهات أخرى، هي نتاج شرعي لهذه العلاقة الصورية بين الأشخاص والمرافق، فالولدُ للفراشِ.
رئيس المنتدى المغربي للقضاة الباحثين