الجهوية المتقدمة: أبرز تحديات 2015

31 ديسمبر 2014 - 21:45

ونحن نودع سنة 2014 بآلامها وآمالها، نستقبل عام 2015 بتحديات جديدة..ومن أبرز التحديات المطروحة في جدول الأعمال الوطني، ذلك المشروع الكبير المتعلق بإعادة هيكلة الدولة وفق منظور جديد للجهات والجماعات الترابية في علاقتها بالدولة المركزية. خلال هذه الدورة، ستدخل مسطرة التشريع المتعلقة بالقوانين التنظيمية للجهات والجماعات الترابية مرحلة الحسم بعد المشاورات السياسية التي باشرتها الحكومة مع الأحزاب السياسية.

علينا أن نقر منذ البداية بأن الدستور المغربي وضع المبادئ الأساسية للشروع في بناء النظام الجهوي، بحيث نص الفصل الأول من الدستور على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة.

وإذا كان الباب التاسع من الدستور (من الفصل 135 إلى الفصل 146)، قد حسم في العديد من المبادئ والمرتكزات التي ينبغي استحضار فلسفتها من طرف المشرع، وهو يضع القوانين المؤطرة للجهوية المتقدمة، فإن المسودات الأولية التي سبق لوزارة الداخلية الإعلان عنها قبل حوالي شهرين، لم تستجب للشروط الضرورية لتحقيق التقدم الضروري من الناحية الديمقراطية والمؤسساتية.

إن مشاريع القوانين التنظيمية المنتظرة، ينبغي أن تنطلق من تعزيز ما راكمته التجربة المحلية من مكتسبات، وأن تجيب، أيضا، عما سجلته من اختلالات تعوق التنمية المحلية بُغية تجاوزها وفق منهجية متدرجة في نقل اختصاصات المركز إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى. لقد حسم الدستور في انتخاب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر، كما نص على تسيير شؤونها بطريقة ديمقراطية، معتبرا أن التنظيم الجهوي والترابي يرتكز على مبادئ التدبير الحر وعلى التعاون والتضامن، وأناط برؤساء مجالس الجهات، مسؤولية تنفيذ مداولات هذه المجالس ومقرراتها، وهي مسؤولية محورية تتطلب توفير الشروط المؤسساتية اللازمة لمؤسسة الرئيس ليقوم بدوره على الوجه الأكمل..

إن طريقة انتخاب رئيس مجلس الجهة تعد نقطة حاسمة في هذا الباب.. وفي هذا الإطار، ينبغي للنقاش المتعلق بالقوانين الانتخابية أن يستحضر حاجة بلادنا، وهي تبني ورش الجهوية المتقدمة، بأن هذا الورش لا يمكن أن ينجح باعتماد بعض المسلكيات الانتخابية الفاسدة من قبيل ما حدث سنة 2009..وهنا، ينبغي التشديد على الدور الحاسم لوزارة الداخلية وللسلطات المحلية في تعبئة مواردها البشرية على قاعدة الحياد، والتعامل بمسافة واحدة مع جميع الأحزاب السياسية، والسهر على تنظيم انتخابات حرة ونزيهة لا يطعن فيها أحد.

إن عملية انتخاب رؤساء المجالس بالنسبة إلى الدوائر الخاضعة لنمط الاقتراع اللائحي، ينبغي أن تحترم إرادة الناخبين من خلال حصر التنافس على الترشيح للرئاسة بين رؤساء اللوائح الانتخابية الثلاث الأولى، وذلك انسجاما مع فلسفة الاقتراع الحر، الذي هو التعبير الأمثل للإرادة العامة للمواطنين، واستلهاما، أيضا، من روح الدستور الذي حصر منصب رئيس الحكومة داخل الحزب الأول الفائز بالانتخابات التشريعية..

إن اختيار المشرع الدستوري لتعيين رئيس الحكومة من الحزب الأول، ينطلق من فلسفة واضحة، وهي احترام إرادة الناخب، وهو ما ينبغي أن يسترشد به المشرّع العادي، وهو يقوم بتنزيل مقتضيات الدستور.

 من جهة أخرى، لا يمكن لمشروع الجهوية أن يتحقق بنجاح، إلا بإقرار علاقة جديدة بين الولاة والعمال تتجاوز بالتدريج طبيعة العلاقة التي كانت سائدة في المرحلة السابقة، وهي علاقة مبنية بالدرجة الأولى على احترام فلسفة الدستور التي أعلت من قيمة الصوت الانتخابي، وجعلت الجهة تتبوأ، تحت إشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة إلى الجماعات الأخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات. بينما أناطت بالولاة والعمال، مهمة مساعدة رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية، باعتبارهم يمثلون السلطة المركزية في الجماعات الترابية.

إن طبيعة العلاقة ـــ بناءً على ما سبق ـــ ينبغي أن تستند على مبدأ التعاون والتكامل والاحترام المتبادل، وكل خلاف يرجع فيه إلى القضاء أو إلى تحكيم رئاسة الحكومة..

تفاصيل أخرى ذات صلة بالموضوع، سنعود إليها في فرصة لاحقة بحول الله..

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

ما معنى مفهوم الجهوية "المتقدمة" منذ 10 سنوات

من خلال قراءة المقال يتبين انه يهدف إلى إثارة النقاش حول العلاقة بين العمال والولاة وهي علاقة يمكن معالجتها من خلال حل إداري يجعل العمال خاضعين للسلطة الإدراية للولاة ... فما معنى مفهوم "الجهوية المتقدمة" ولماذا تمت إضافة "المتقدمة"

محمد البايبي منذ 10 سنوات

محمد البايبي : تعود الجهة بقوة إلى الواجهة، ليس تحت تأثير الترف الفكري والثقافي المجرد. لكن، أساسا تحت تأثير الضرورة السياسية والسوسيو- إقتصادية والإدارية . من هنا، فإن الحديث عن نمط جهوي جديد، يتجاوز سلبيات النمط الجهوي التقليدي بشقيه الإقتصادي مع الظهير رقم 77-71-1 الصادر بتاريخ 16 يونيو1971، الذي أسس للجهات ذات النمط الإقتصادي. ثم الجهات ذات النمط السياسي – الإداري مع الظهير رقم 96-47 الصادر بتاريخ 2 أبريل1997 أصبح حديث العام والخاص. فجهة ظهير 1971، رغم أنه كان لبنة أولى في البناء القانوني والمؤسساتي إداريا وماليا في الجهة واللامركزية الجهوية بالمغرب بإنشائها لسبع جهات إقتصادية وجهاز وطني وآخر جهوي. وهو ما أكدته المذكرة التحليلية الصادرة في يونيو 1970 عن المجموعة المكلفة بالدراسات الجهوية التي اعتبرت أن هذه الأخيرة: "وسيلة جغرافية وبشرية تحفز الجهات على النمو لتصبح بمثابة إطار للعمل الإقتصادي، هدفها التوازن الوطني" . لكن لا التقطيع الترابي، ولا الأجهزة الإدارية والمالية مكنت الجهات من تجاوز حالة اللاتوازن الجهوي التي تجلت في مظهرين أساسيين: الأول: الجاذبية السكانية للجهة الوسطى والجهة الشمالية الغربية (48% من مجموع سكان 1990). والجاذبية الإستثمارية التي لم تبرح محور الشريط الساحلي. الممتد من الدار البيضاء إلى القنيطرة، (ف58% من حجم الرخص الإستثمارية ثلثها للدار البيضاء فقط سنة 1958) . هذه الإختلالات التي كان من أسبابها الجوهرية ايلاء الأهمية للبعد الإقليمي عوض الإهتمام بالبعد الجهوي ككل، وهو ما يفسر التقسيمات المتوالية للأقاليم والعمالات الناتجة عن تضاعف عدد السكان من 15 مليون نسمة سنة 1971 إلى أكثر من 28 مليون حاليا فأزيد فضلا عن قصور القانون المنظم في كثير من جوانبه الشكلية والجوهرية. أما ظهير 2 أبريل 1997، فلم يصل ذلك النضج إلا بعد تمهيدات سياسية: - محطة 24 أكتوبر1984، التي عرفت خطابا سياسيا تاريخيا للملك الراحل الحسن الثاني في اجتماعه بالمجلس الجهوي للمنطقة الوسطى الشمالية بفاس الذي فكر فيه الملك بوضع:"مشروع قانون خاص بمجالس الجهات المغربية"، تكون لها سلطتها التشريعية، وسلطتها التنفيذية الخاصة بها، وتكون لها هيئة الموظفين..."أمام أنظار البرلمان ، - تمهيدات دستورية من خلال دستور1992 الذي جعل من الجهة جماعة محلية إلى جانب الجماعات الأخرى بعد أن كانت"نكرة من النكرات"، في دساتير 70، 71، 72. ويدعم الفصل 58 من دستور 1996 تمثيلية سكان الجهة في المجال السياسي بواسطة التمثيلية وذلك في إطار مجلس المستشارين. أما عن الإطار القانوني والمؤسساتي لجهة 1997، فقد جاء أكثر تقدما بما عرفه من تمكين للجهة من جهاز تشريعي(المجلس الجهوي)، يضم أعضاء مقررين، وآخرين استشاريين(أعضاء برلمانيي الجهة، ورؤساء مجالس العمالات والأقاليم وممثلي الجماعات المحلية، وممثلي الغرف المهنية)، وجهاز تنفيذي(مؤسسة العامل في المواد 101 و102 من الدستور) تعتبره المسؤول عن تنفيذ مقررات مجالس الجهات) إضافة إلى الإختصاصات الممنوحة له بمقتضى القانون المتعلق بالجهات وهي: - انجاز أعمال البيع وإبرام الصفقات، - إعداد الحساب الإداري وتنفيذ الميزانية، - اتخاذ القرارات المحددة للضرائب والرسوم الجهوية(م.55)، - تمثيل الجهة أمام القضاء(م.66)، أما اختصاصات رئيس المجلس الجهوي فهي: - استدعاء المجلس الجهوي لعقد دورة عادية أو استثنائية، - إعداد جدول الأعمال مع أعضاء المكتب، - استدعاء بعض الموظفين بحضور جلسات المجلس، - توظيف المكلفين بمهمة وبالدراسات، - رئاسة المجلس الجهوي وتمثيله داخل المؤسسات الجهوية، - حفظ وإدارة الممتلكات الجهوية، - تعيين كاتب المجلس ومقرر المجلس، - تعيين رؤساء اللجن الدائمة، - تعيين الكاتب العام للجهة بعد مصادقة العامل. أما الجانب الإختصاصي للجهة، فاختصاصات مباشرة ذات مصدر قانوني(الباب II في الفصول من 6 إلى 9)، أصلية ومفوضة، وتقديم مقترحات بالإضافة إلى أن هذه الوسيلة. أصبحت الجهة تتوفر على موارد جبائية ذاتية وأخرى تحول إليها من الدولة، التي تمارس عليها وصاية إدارية، عبر ممثليها المركزيين وفي الجهات. لكن الجديد فيها هو أنها أصبحت قضائية. في جانب التقسيم المجالي، أصبحت الجهات 16 جهة، تحكمت في صنعها معايير متقدمة عما جاء في تقطيع الجهات السبع(معيار تاريخي، بيئي، طبيعي، البعد الاستراتيجي، الإندماج الوطني، الإقتصادي، الإستقطاب الحضري، التكامل الوظيفي). كل هذه المعايير اتسمت في نظر منتقدي التقسيم بالعمومية، والإبقاء على الإقليم كقاعدة للتقسيم والتقطيع، وغياب معيار التخصص القطاعي بين الجهات فضلا عن الكمية بدل النوعية في التقطيع الترابي أو المجالي. كل هذا خلق اختلالات على مستوى مؤشرات التنمية السوسيو-اقتصادية، استدعى من الفاعل المركزي، طرح رؤية تتجاوز عوائق التنمية التي تحكمت فيها مركزية القرار وغياب أجهزة ديمقراطية فاعلة وشفافة لتستدعي الإكراهات الداخلية المتمثلة في تجاوز اشكالات الوضع في الصحراء، وكذا ضعف مؤشرات الديمقراطية بالمجالس المنتخبة، لعب فيه الإطار القانوني دورا والنخب الحزبية والإعتبارات السياسية جانبا من ذلك. أما الإكراهات الخارجية، فلا تقل أهمية إذ مؤشرات الإنخراط في العولمة الزاحفة، وكذا الإختيار الجهوي الترابي للجارة أوروبا بفعل علاقات التأثير والتأثر فرضت على المغرب نهجا ترابيا جديدا، وضعت اللجنة الاستشارية للجهوية من خلال تقريرها وتقارير أخرى رؤية وتصورا لنموذج نمط جهوي وظيفي اقترح 12 جهة متجانسة، وظيفية ومؤسساتية، يجمع بينها عاملا القرب والولوجية – متناسبة الحجم متوازنة الإمكانيات، فعالة. وذلك بعد تشخيص حالة الوهن التنموي الذي يشل "مفاصل" جهات الوطن، مقدمة اقتراحات وتوصيات تهم الجانب القانوني كما المؤسساتي التنظيمي البشري والمالي، ليأتي دستور 2011، بسقف أعلى مما جاءت به اللجنة، بالنظر للمؤشرات السياسية التي جاءت فيها- ويسطر 12 فصلا كاملا يهم الجهة بالأساس والجماعات الترابية الأخرى، ستكون محور مدونة قوانين تنظيمية ينتظر أن تستكمل حلقاتها في الأشهر المقبلة، بعد أن صدر منها قانون يهم انتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية(رقم 11-57) وقانون عادي - هو القانون رقم 12-131 - يضع مبادئ تحديد الدوائر الترابية للجماعات الترابية بما فيها الجهات، ثم إن التقرير قد ركز على جانب التوازن الاختصاصي بين المركز والجهات، وحتى الجماعات الترابية الأخرى تطبيقا لمبدأ التفريع، ومبادئ التدبير الحر والديمقراطي للشؤون الجهوية، ومبادئ أخرى للتسيير المحلي تكون شبكة مفاهيمية لدستور محلي، إن صح التعبير،. لكن يبقى الجانب الأهم بناء علاقات بين أطراف متعددة على الصعيد الجهوي في إطار شراكات تعاون وتعاضد، بتناسق وتوزيع أدوار في إحترام لقواعد الحكامة التي خصص لها الدستور جانبا مهما كمقترب جامع وشامل وفق معايير ومؤشرات مضبوطة كل ذلك خدمة للوظيفة الترابية للجهة الجديدة المعلن عنها تقريرا ودستورا ألا وهي التنمية الجهوية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والمندمجة.

التالي