نقطـــة ضعــف !

06 يناير 2015 - 22:50

لمس الخليفة اختلال ميزان العدل لدى قاضيه، فأجلس المظلومين إلى جانبه بقصره، وكلما رآهم القاضي بذلك المقام، كلمّا أصدر في اليوم الموالي الأحكام لفائدتهم، فتحقق العدل بيد الخليفة لا بيد القانون!!

وقد افتعل مسؤول قضائي أثناء انعقاد اجتماع بمقر الوزارة مغصا حادا بمعدته، ثم أومأ لمن حوله أن ينقلوه على وجه السرعة إلى طبيبه ومستشفاه بمدِينته البعيدة، ليفاجأ الوزير الاشتراكي ومن معه يوم غد بالمسؤول المريض يقف مفعم الحيوية في طابور طويل يقدم التحية إلى الملك الذي كان يزور تلك المدينة!!

أما الذي عبر عن هذا الضعف الإنساني بكلمات ذات معنى، فهو الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، فعندما نَمَا إلى علمه أن وزيرين في حكومة التناوب الأولى تشاجرا حول السيارة الوظيفية المتبقية، قال لمن حوله: لو وقفنا على جشع هؤلاء منذ أربعة عقود لما أضعنا الوقت في القلاقل ولما كان هناك ضَحَايا !!

وَلَمْ يُخْطئ المتنبي عندما قال:

وَالظُلْم مِن شِيم النُفُوسِ فَإِنْ تَجِد

ذَا عِفَّةٍ فَلِعَلَّة لا يظلمُ!

ولم يخطئ ذلك الإعلامي الكبير، أيضا، عندما لم ير موجبا للضغط على ماسك الميزان كي يرجح كفة دون أخرى متى كان أحد طرفي العملية ذا نفوذ قوي، فالنتيجة تتحقق تلقائيا كأنها من النظام العام!

نحن راكمنا الضعف الإنساني حتى أضحى سلوكا مألوفا، في خطين متوازيين تسير حسنات المرء وسيئاته، فيدفع بالتي هي أصلح، ولذلك عِنْدما اقترح قَاض الاقْتِدَاء بِمَا سارت عليه جِهَة قَضَائِية مُقَارَنَة في مَوضوع محدد، أقْنعه صاحب الاختصاص قائلا: إنَّ الكُرْسِي الذّي أَجْلِسُ عليه أَهْونُ عَليَّ مِمَّا تَدِعُونِي إِليْهِ، فَأسْقَط فِي يَدِ القاضي !!

في تراثنا الإسلامي نماذج متكررة لهذا الضعف الإنساني الذي يَسْتَبِد بالأنفس، فتتأرجح كفة العَدل والحِيَادِ بها، فقد ظلت نزوة خالد بن الوليد ـ وَهُوَ مَنْ هُوَ في الإسلام ـ يَوْمَ وَزَّع الغَنائِم خِفْيةً مَحْفُورَةً في ذاكرة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى شاهد النساء يَبْكِينَهُ يَوْمَ وفاته فقال: رَغْمَ ذَلِكَ، من حَقِّهِنَّ أن يَبْكِينَ سَيْفَ الإسْلام !!

وقد خَشِي الإمام بن حَنْبَل أَنْياب هذا الضّعْف الإنْسَانِي، فلما قال للخليفة ـ مُرَاوغا ـ كي لا يختاره قَاضيا: إنني أَجْهل الأحكام الشرعية، نَعَتَهُ الخليفة بالكذب، فابتهجت أسارير الإمام ورد قائلا: ها هو شرط من شروط القضاء لا يتوفر في شَخْصي إِنه الصدق، أعفني يَا مَوْلايَ!!

فِي زَمَانِنَا تَساقطت أوراق المناعة، وفُهِمَتْ أَسْرارُ اللُّعْبَة بإتقان، واكْتَفَى أَحْدُ وُزَرَاء العَدل الأذكياء ـ كَيْ يَرفع عَن قَاضِ ظُلم رَئِيسَه ـ  أنْ يُقَبِّل  المظلوم على وَجْنَتَيْهِ بِمَحْضَرِ الظَّالِم، فَتَحَسَّنَت أحوال القاضي وتَجَسَّدَ الجشع في أبشع صُوَرهِ عندما كان القضاة يَسْلُكُونَ كُلَّ سَبِيل لانقاد قاضية مريضة من الهلاك، في الوقت الذي وقف فيه المسؤول القضائي بباب قَصْرِه يَتَسَلَّمُ ظَرْفا مَالياً هَدية مِنَ القُضَاة بِمُنَاسَبَةِ أدائِهِ مناسك الحَج مَجَّاناً !!

وقد جازى القاضي جامع النقود، بينما انتقلت القاضية إلى عفو الله!!

 عندما يُجْلس الخليفة المظلومين بجانبه كي يضمن عَدْلَ القاضي، عندما يَلْمَسُ المَلِك الرَّاحل جشع مناوئيه زَمَنًا عَنْ كَتَب، عندما يفتعل المسؤول القضائي المرض كَذِبًا، عندما يُقبّل وزير العدل القاضي لِرَفْعِ الظلم عنه من رئيسه، عندما تلتصق الأجساد بالكراسي فتصبح عَازلة بِعدوى الخَشبِ، ولمّا يؤدي القاضي مناسك الحج مجانا ويقتطع من مساعدات القضاة لِزمِيلتهم، عندما يقع كل هذا، فقل معي جهرا: على الإصلاح السَّلاَم !! 

رئيس المنتدى المغربي للقضاة الباحثين

[email protected]

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي