رسومات شيطانية 

17 يناير 2015 - 20:46

أما وإن الصدمة قد زالت عن فرنسا، وعبر المسلمون، شعوبا وحكومات، عن إدانتهم للإرهاب، ورفضهم مواجهة الريشة بالرصاص، فإن الوقت حان لمناقشة «شارلي إيبدو» في خطها التحريري وفي رسالتها الإعلامية وفي أسلوب تناولها للأديان، وخاصة الإسلام…

كما أن هناك من رفع شعار: «أنا شارلي»، هناك من حمل شعار: «أنا لست شارلي»، وهذا التناقض في الشعارات يعكس الجدل الدائر في فرنسا وأوروبا والعالم حول أسلوب استفزاز المسلمين، ومدى خدمته للتعصب والتطرف أو العكس. لا بد، أولا، أن نشير إلى أن مجلة «شارلي إيبدو» كانت على وشك أن تقفل أبوابها وأن تتوقف عن الصدور بسبب الأزمة الاقتصادية التي كانت تعانيها، وهي أزمة ناتجة عن أن القراء الفرنسيين لم يعودوا منذ سنوات يقبلون على قراءتها. هذه مجلة كانت تطبع حوالي 60 ألف نسخة، لكنها لا تبيع سوى خمسة آلاف إلى ستة آلاف نسخة كل أسبوع، وهذا معناه أن الشريحة الكبرى من القراء الفرنسيين لم تكن تتفق مع خط تحرير المجلة القائم على الاستفزاز والسخرية من كل شيء دون حدود ولا ضوابط…

 لقد كشفت حادثة «شارلي إيبدو» سوء فهم كبيرا موجودا في الغرب نحو المسلمين ونحو الإسلام، فجل ما يروج في الإعلام وعلى لسان السياسيين منبعه الكليشيهات الخاطئة عن الدين المحمدي وخلط بين الإسلام وتطرف القلة القليلة من أبنائه اليوم في الشرق والغرب لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية بالأساس قبل أن تكون عقائدية أو مذهبية، حتى إن كاتبا فرنسيا سطحيا اقترح على المسلمين قبل أسابيع إلغاء ثلثي القران الكريم إن هم أرادوا العيش بسلام في عالم اليوم، بل هناك من ذهبت به أوهام الإسلاموفوبيا إلى حدود تصور إمكانية إقامة خلافة إسلامية في فرنسا وفوز بلعباس بالانتخابات الرئاسية في فرنسا، وإجبار النساء الفرنسيات على وضع الحجاب ولزوم بيوتهن…

مناقشة الأديان والعقائد والكتب المقدسة والتشريعات السماوية تقليد قديم في الشرق والغرب، وهذا أمر لا يمكن أن يتوقف، وهو جزء من الأديان نفسها، لكن هذا تمرين فكري وعلمي وديني بين المتخصصين والعلماء والمثقفين، وليس مادة للاستهزاء بين رسامي الكاريكاتور، ولا مادة إعلامية لإحداث الصدمة لدى الآخرين وإجبارهم على رد الفعل…

الفاتيكان كان ذكيا وحكيما وهو يرى أن الجدل ينزلق إلى ما يشبه عودة الحرب الدينية بين المسلمين والمسيحيين، لهذا سارع بابا الفاتيكان إلى القول: «لا يمكنك أن تستفز الآخرين أو تُهين عقائدهم.. لا يمكنك أن تسخر من العقيدة. إن حرية العقيدة وحرية التعبير من حقوق الإنسان الأساسية لكن لا يجب أن تكون حرية التعبير مُسيئة».

قبل 27 سنة من اليوم انفجرت قضية مثل هذه في بريطانيا بمناسبة صدور رواية ‘‘آيات شيطانية’’ للكاتب البريطاني الهندي سلمان رشدي، وفيها تعرض لحياة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، فقامت القيامة والتقط الخميني الخيط، وأصدر فتوى بهدر دم الكاتب البريطاني باعتباره تجرأ على مقدسات المسلمين، فهب الغرب كله للتضامن مع سلمان رشدي وقامت القيامة…

بادرت جمعيات إسلامية في لندن سنة 1989 برفع دعوى قضائية ضد ناشر ومؤلف ‘‘آيات شيطانية’’ بدعوى إهانة المعتقد الإسلامي، فماذا قالت المحكمة في حكمها الصادر في نوفمبر 1991؟ «المحكمة تجد نفسها في وضع لا يسمح لها بالفصل في موضوع القضية وحيثيات ذلك من جانبين؛ أولا، إن القوانين البريطانية تسمح لمن يشاء بإنكار الدين أو بمناقشة تعاليمه، وذلك عملا بمبدأ حرية كل إنسان في ما يؤمن به، لكن القوانين في بريطانيا، في الوقت نفسه، لا تسمح بإهانة الدين blasphemy لأن ذلك يخرج عن مبدأ حرية كل إنسان في عقيدته، باعتبار أن إهانة أي دين هي عدوان على عقائد المؤمنين به، يمس ضمائرهم ويجرح شعورهم، والخلاصة هنا أن إنكار الدين أو مناقشته يمكن أن يكون من أعمال حرية الفكر، لكن إهانة الدين اعتداء على حرية آخرين لهم الحق في كرامة عقائدهم».

المبرر الثاني الذي دفع المحكمة إلى عدم إصدار الحكم هو أن القوانين في بريطانيا لا تجرم سوى إهانة الدين المسيحي، وأن القضاة ليس أمامهم نصوص تسمح لهم بمساواة الإسلام بالمسيحية في هذا الباب، غير أن المحكمة، وتبعا للتقاليد القضائية البريطانية، لفتت انتباه البرلمان إلى أن بريطانيا أصبحت بلدا تعددت فيه الأديان على عكس ما كان عليه الأمر وقت وضع قوانين حظر إهانة الدين المسيحي، لذلك فإن حقوق غير المسيحيين من المواطنين البريطانيين قد تتطلب إجراء تعديلات وإضافة قوانين تحمي الأديان الأخرى من الإهانة.

حتى وإن لم تصدر المحكمة حكما في الموضوع، فإنها أقرت بمبدأ الفصل بين حرية التعبير وحق الأديان وأتباعها في حفظ كرامة ما يعتقدون. هذا ليس كلام شيخ في الأزهر أو الزيتونة أو القرويين أو النجف أو قم أو مكة أو المدينة… هذا كلام قاض بريطاني في لندن… حلل وناقش.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

jamal منذ 10 سنوات

كل التشوهات موجودة في الأحاديث المنسوبة للرسول والروايات فأول من أساء للإسلام نحن لما قدسنا هذه الأحاديث وجعلناها المورد الأساس في الحكم على الأشياء فهاهو حديث الأعمى الذي رواه أبو داود ( 4361 )الذي يُهدر فيه دم من سب الرسول واعتماده رغم وجود روايات أخرى تناقضه ومنها روايه اليهود الذين قالوا السام عليك يا محمد (الموت لك) فرد الرسول عليكم فقط ,وردت عائشة بالسب عليهم فقال لها رسول الله ص :عليك بالرفق إن الله لا يحب الفحش لم يأمر بقتلهم بل غظ وهجر الهجر الجميل وصفح وهذا هو الهدي القرآني (إنا كفيناك المستهزئين)(ولو كنت فظا غليظ القلب ...)(وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين)(فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون)الزخرف......السؤال لماذا نترك القرآن ونتشبت بالأحاديث هذا مع العلم أن جمعها تم بعد وفاة الرسول محمد ص ب 200 سنة والتي تجمع كل التشوهات من تمجيد للعنف وقتل وقسوة وشهوة وتحجر وتحجير على الفكر والضمير وبداوة وتخلف .....كل أعمال داعش والقاعدة تجد لها سندا من الاحاديث والروايات...لكننا لا نقرأ ونتهم الآخر ونسقط مشاكلنا عليه وننام فهو نهج سهل ليس فيه عناء.

محمد أمين منذ 10 سنوات

أنا لا أرى أن بوعشرين قال شيئا يخالف الصواب أو برر القتل وإنما دعى إلى التدقيق ووضع فرق بين حرية التعبير والاعتقاد وبين إهانة الآخرين والاعتداء عليهم معنويا لذا أرجوكم لا تمارسوا الإرهاب الفكري على سي توفيق

مغربي منذ 10 سنوات

لا نقول القتل ولكن نقول ما هو الهدف من السخرية من الرسول صلى الله عليه و سلم إذا كانو لا يدينون بأي ديانة فذاك شأنهم و إذا كانوا يحقدون على هذا الدين فليأتوا ببراهين علمية و يناقشوه علميا راجع كتاب التوراة و الإنجيل و القران و العلم لكاتبه الفرنسي و سترى لماذا لا يستطيعون مقارعة الإسلام بالحجة و البرهان سامحني على ردي و لاشيء يبرر القتل متفقين لكن يجب أن نريهم ديننا الحقيقي

maron منذ 10 سنوات

مسرحية !

¨جادا عابر منذ 10 سنوات

اخلاق الرسول اعظم من اخلاق فرنسا وتعزيتها واعظم من حقوقكم الارضية

محتار منذ 10 سنوات

وددت فقط لو عرفت نوع المخدر الذي يتعاطاه من يفسرون النقد الموجه . لشارلي ايبدو بأنه تبرير للقتل

مغربي على قد الحال منذ 10 سنوات

من باب الانصاف في المقارنة هل ستقبل المجتمعات العربية ان يبني الوافدون البوذيون والهندوس معابد لهم في الخليج علما ان السكان المحليين اقل منهم عددا في احداها 82% اجانب كم من الاسلاميين واليساريين العرب لجاوا الى لندن هربا من بطش اخوانهم في الدين والوطن

عزيز منذ 10 سنوات

حذار من اللعب بالنار ..واللعب على المشاعر وتجييش الناس.لا شيئ يبرر القتل.. شارلي ايبدو جريدة ساخرة..لماذا لا يرد عليها بالكاريكاتورويسخرمنهم ام..ليس لدى المسلمين شياطين للكاريكاتير.

عزيز منذ 10 سنوات

شيطان الرسم ليس مغربيا لماذا لا ترد عليهم ملائكتها بكاريكاتير ها بد ل القتل والخروج الجامح في مسيرات يموت فيها الناس

عزيز منذ 10 سنوات

حذار من اللعب بالنار ..واللعب على المشاعر وتجييش الناس.لا شيئ يبرر القتل..انت تعلم ان شارلي ايبدو جريدة ساخرة..لماذا لا نرد عليها بالكاريكاتورونسخر منهم كذلك..لاشيئ يبرر القتل..

الفاتحي منذ 10 سنوات

مبقاش حرية التعبير شيء مقدس اتبث معنا السي بوعشرين

التالي