يستعد صاحبي لإصدار جريدة تحمل اسم: «أَخْبَار النوم»! وعن أسباب النزول يقول: «لم يَنَل موضوع «النوم» ومَوَاقِيته وآثاره الإيجابية والسلبية وأخبار النائمين حظا موفورا من العناية، والحال أن تَراكُماته حاضرة بيننا سواء تعلق الأمر بمرجعيته التاريخية أو الفقهية أو النفسية أو التوثيقية !!
تحَمَّست فِعلاً لهذا المولود الجديد، وَبَدت مواد العدد الأول من صحيفة صاحبي جاهزة في ذهني، إذ سَنَسْتَوْحِي الحكمة من قول الله عز وجل: « وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتَا»، صدق الله العظيم.
وفي تاريخنا الإسلامي وقف الغرب على نموذج النوم الإيجابي في شخصية الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فَقَال قائلهم مُعجَبا «عَدِلْتَ فَنمِتَ»، وسأَقْتَرِحُ على صَاحبي أن يَكُونَ هذا النموذج شَخْصِية العدد في الجريدة.
ويحمل لنا الفقه الإسلامي الزاخر المبدأ الأصيل «نوم الظالم عبادة»، وهي قاعدة يستطيع صاحبي أن يستعرض بها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ نماذج للذين يستفيد المجتمع مِن بقائهم نياما، فمفهوم الظالم يضم المستغل، والمستعبد، والمستفرد، والوصولي وكل مَن يلحق ضررا بالمجتمع وأفراده!
وفي باب المنوعات أَرى أن يدرج صاحبي أمثلة عن حالات النوم، التي لا تقتضي بالضرورة إغْمَاضَ الجُفونِ، ويضرب مثالا عن ذلك حيوان القطِّ، فهو ينام بعينين مفتوحتين، وله أن يقيس عليه عَيّنَات مِن بَنِي آَدَمَ، التي تنام بدورها بعينين منفرجتين في المحَافِل الوطنية والدولية، على أن يُومِئ إلى فارق جوهري: فسلوك بني آدم هنا مُفْتَعل لِيُوهِمَ الغير أنه يَقِظٌ، على خلاف السلوك الطبيعي للقطِّ !!
وبموازاة ذلك، وتشجيعا للعمل الجاد، واليقظة الحريصة على الأمن والسكينة، سأقترح على صاحبي أن يلتقط صورة الكَلْبِ وهو غارق في سبات عميق خلال النهار، فقد أدى واجبه بالليل حارسا أبدان الناس وأرواحهم وحوائجهم، إنه مثال واضح لِخَصلة الوفاء التي تؤمن بأن الليل والظلام والغموض والسكون فترة مناسبة للسرقة والنصب وَهتْكِ الحُرُمَاتِ، فإذا أشرقت الشمس فلا جناح على الكلب الوَفيّ أن ينام مكان السيارات التي حرسها بعدما استقلها أصحابها !
ولعلّى بهذا النموذج يعطي صاحبي دَرسا مفيدا لأولئك الذين غيّروا مواقيت النوم، خاصة في شهر رمضان الأبرك في محاولة منهم للانتصار بطريقة السبات على شمس تعاندهم وتظل متربعة في كبد السماء. وقد يُشِيرُ في هذا الصَّدَد إلى مُسَلْسَل «اللَّيل وآخره»، أو يجري حوارا مفبركا مع بطل الفيلم يحيى الفخراني.
لن يجد صاحبي خَصاصا في المواد، ففي باب العلم والعلماء، يمكنه أن يعرض للنظرية العلمية الثَورية الحديثة التي طرأت على نسبة النوم لدى الإنسان، فإذا كانت هذه النسبة بمعدل الثلثين، فإنَّهَا تتضاعف عند مُمَثِّلينَا، وفي السياق ذاته، يمكن للجريدة أن تُطْلِعَ القارئَ على مفردات الحركة النِّضَالية التي تطالب بالحفاظ على مكتسبات النوم العميق خلال النهار، ويضرب مثالاً عن ذلك بحَالةُ الأب، الذي طالب مُدِير مدرسة ابنه بتغيير مَناهِج التعليم قائلا: «لماذا تُصِرُّونَ على أن يعود وَلدِي إلى المنزل بالنّهَار بَاكِرًا، إنَّه يزعجنا أنَا ووالِدتُه، فنحن نَنَامُ بالنهار، اتركُوه عندكم، فَأسْقط فِي عَضُدِ المُدِيرِ»!!
يملك صاحبي الوثائق التي ستُعزز صِدْق أخْبَار جَرِيدتِه، فهناك الصور الفوتوغرافِية التي تنقل للمشاهد مَسْؤُولِينَا وهم نِيَامٌ في الإدارات العمومية، والأيام الدراسية، وهناك المراجع الأدبية التي تَحَدَّثَ فيها الشعراء عن حالة النوم، فمنهم من نصح به تَهَكُّمًا مثل الشاعر معروف الرصافي قائلا:
نَامُوا ولا تَسْتَيقظوا مَا فَازَ إلاّ النُّومَ
ومنهم من تبَاهَى بنومه العَمِيقِ مثل المتنبي عندما قال:
أَنَامُ مِلئ جُفونِي عَنْ شَوارِدها وَيَخْتصُمُ القوم جَرَّاهَا وَيَحْتَكِمُ
وعلى صفحة الحوادث هناك عِدَّةٌ قصص شيقة وَاقِعيَّةٍ عن رَاكِبي «حمار الليل»، أولئك الذين يَسيرون نياما ليلا، قياسا على زملائهم النَّائمِين بالنهار !!!
وفي باب الكلمات المتقاطعة يمكن لصاحبي أن يطرح السؤال التالي: مَوْتٌ نِسْبِي من ثلاثة حروف ما هو؟!!
وفي الشأن الرِّيَاضِي قد تكون لرياضة «اليوغا» فائدة في الموضوع.
عرضت على صاحبي هذه الأفكار، فَرَحَّبَ بها، لكنه خَشي أن يَحْتَجَّ عليه مدير «أخبار اليوم» لاحتمال وقوع التباس في عنوان الجريدة، على أَنَّهُ اقتنع لمَّا قلت له: «سَنَضَعُ نُقْطةً النُونْ بحَجْم كبير وباللون الأحمر، تفاديا للإشكال» !!!
أما صورة الصفحة الأخِيرة، فأقترح منظر التِّمْسَاحِ المُرَابِط المُتربِّص نائما بمحاذاة الوِديان، يتحين الفرصة للانْقِضَاضِ !!
في انتظار صدور العدد الأول من الجريدة، أخذ صاحبي لنفسه قِسْطًا مِنَ الوقت للقَيْلُولَة، ويبدو أنَّه راح في سُبَاتٍ عَمِيقِ، ولازلت أنتظر !!!
رئيس المنتدى المغربي للقضاة الباحثين