الإجهاض والواقع العنيد

13 مارس 2015 - 21:51

في أحد فصول الرواية الأخيرة للكاتب الياباني هاوركي موراكامي، وعنوانها: «تسوكورو تزاكي عديم اللون وسنوات سفره»، ينخرط تسوكور هذا، وهو الشخصية المحورية للحكاية، في حديث طويل مع أحد أصدقائه القدامى، وعند نهاية حوارهما يورد هذا الأخير، وهو صاحب شركة متخصصة في التدريب على التنمية الذاتية، نموذجا للتمارين التي يخضع لها طالبي خدماته. فهو يختار من بينهم واحدا ويقول له إنه جاء بخبرين، الأول «سيء» والثاني «مفرح». يبدأ بالسيء ويخبره أنه سيقتلع أظافره بملقاط ضخم يخرجه من حقيبته، ثم يفرج عن الخبر «المفرح»: للمتدرب المسكين حرية واحدة ووحيدة هي الاختيار بين أظافر اليدين أو القدمين! ثم يمنحه مهلة للتفكير لا تتعدى 10 ثوان. ويتابع هذا الصديق أن المتدرب يختار في الغالب أن تُقتلع أظافر قدميه! ولمّا يسأله عن السبب، يجيب المتدرب أنه يدرك جيدا أن الأمر مؤلم جدا سواء تعلق الأمر بأظافر اليدين أو القدمين، ولكنه لا يدري حقا لماذا قام بهذا الاختيار. ويختتم صديق تسوكورو أنه يصافح ذاك المتدرب ويقول  له: «welcome to real life» (أهلا بك في الحياة الواقعية).

كان هذا المقطع من رواية ماروكامي مازال طريا في ذهني وأنا أتأمل هذه الأيام ما أعتبره التيه والحيرة اللذين يطبعان طريقة تناول موضوع الإجهاض الحسّاس والمعقد. وأحس أن المجتمع المغربي مثل ذلك المتدرب. فهو يدرك جيدا أنه لا مفر من اتخاذ قرار مؤلم، ولكنه بالمقابل غير قادر على حسم أمره بسرعة، ويبدو خائفا من هذا الألم الذي لابد منه. ولعل جانبا من النقاشات التي جرت خلال اللقاء الوطني حول الإجهاض بالرباط يبرز هذا التردد والخوف، اللذين يقيدان مجتمعنا المحافظ، من القيام بخطوة تبدو ضرورة في اتجاه تشريع للإجهاض يخرجه من ظلام كهف التابو الخالص إلى نور التقنين الذي يسمح للمرأة بتملك جسدها بالكامل ولا يشاركها فيه المجتمع بشكل مفرط.

وفي تقديري، ليس تحديد متى تنفخ الروح في الجنين، أو «الحق في الحياة»، أو الاتكاء على تأويلات محافظة جدا للدين، أو غيرها من المبررات لمعارضة الإجهاض بشكل مطلق سوى تعابير عن ذلك التردد والخوف الذي يكبل كل المجتمعات المتخلفة.

وكعادة أي كيان متخلف، خائف، تعوزه الجرأة، فالمجتمع المغربي يفضل في كل الأحوال معالجة القضايا الشائكة والحساسة، التي تتحدى المعتقدات والتقاليد التي ارتكن إليها، بالعنف القانوني (مثلا الفصل 454 من القانون الجنائي، الذي يعاقب المرأة التي تقدم على الإجهاض، أو الفصل 449 الذي يعاقب كل من يساعدها على الإجهاض)؛ أو يعمد إلى تجاهل بعد أن يتأكد له بالملموس أن «الواقع عنيد»، حسب تعبير لينين. فحسب الإحصاءات المتداولة تجري بالمغرب ما بين 600 إلى 800 عملية إجهاض يوميا، القليل منها جدا هو الذي يجري في النور، والقليل منها، أيضا، هو الذي يصله سوط ذلك العنف القانوني.

إنها «الحياة الواقعية» التي سيكون على مجتمعنا القبول بدخولها، ولدخولها ينبغي أن تؤدي ثمنا مؤلما لا شك في ذلك.. ثمن مؤلم يتجلى في اكتساب القدرة أولا على مواجهة قضية شائكة وحسّاسة مثل الإجهاض، يختلط فيها ما هو علمي بما هو ديني وسياسي، والتقليد بتحول القيم والمعايير المجتمعية، والكف عن التخفي وراء تبريرات وحجج (الحق في الحياة.. فتح الباب أمام الممارسات «اللاأخلاقية»…) قد تبدو ظاهريا منطقية، ولكنها في العمق تخفي خوفا من التغيير فقط. ثم العمل على اكتساب القدرة على وزن البدائل المطروحة للتعامل مع الإجهاض ببيض النمل كما قال لينين مرة أخرى، لاختيار أفضلها وأكثرها ملاءمة لمجتمع أريده أن يتخفف من الأعباء المحافظة التي تثقل سيره وتحول دون دخوله الـ»real life». ولا أريده أن يكون اختياره اعتباطيا مثل ذلك المتدرب في رواية موراكامي.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي