سرطان السياسة

27 مارس 2015 - 21:33

من علامات التخلف ومعيقات أي تقدم محتمل للمجتمع المغربي في تقديري، أن «السياسة»، بمعناها المبتذل، تنبت في كل مناحي حياة الكائن المغربي مثل نباتات طفيلية تلتهم كل ما في التربة من ماء، وتستحوذ على كل ما في الجو من هواء نقي، ولا تترك لأي نبتة طيبة فرصة للبقاء على قيد الحياة، فما بالك بالنمو والتفتح.

السياسة عندنا، بمعناها المبتذل أكرر، تحشر نفسها في كل شيء.. في الرياضة والتعليم والقضاء وحتى ملف الإجهاض… إلخ. ففي الرياضة، لم يعد خافيا أن هناك صراعا بين الأحزاب على «الإلترات» التي أصبحت لها قدرة كبيرة على التعبئة في صفوف الشباب، خاصة في المدن الكبيرة (البيضاء.. طنجة.. القنيطرة.. أكادير.. مراكش.. إلخ).

وسرطان السياسة من أسباب (ولعله السبب الرئيس) في تردي التعليم. إذ بما أنه كان في وقت ما نبعا سخيا يتدفق منه المعارضون السياسيون، ارتأى النظام تطويقه ومراقبته، ثم بعد ذلك ثم إغراقه في صراعات نقابية حول السلم والرتبة وكوطات الترقيات…إلخ. والواقع أنه في البلدان المتقدمة ينأى جميع الفرقاء بهذا القطاع عن مستنقع السياسة ما أمكن، وإن حدث وانزلق إليه، فإنه لا محالة يكون عرضة لفيروسات هذه البركة الآسنة (حالة فرنسا حاليا). حتى القضاء عندنا، وهو وفقا للدستور الجديد «سلطة» و»مستقلة» مبدئيا عن السلطتين الأخريين المشبعتين بالسياسة (التنفيذية والتشريعية)، لا يسلم من هذه النبتة الطفيلية، ولا تعوزنا الأمثلة على هذا الأمر، ولعل أبرزها هذه الأيام الاشتباك الكلامي الحاد بين الفرقاء السياسيين في البرلمان وخارجه حول قضية «استقلالية» النيابة العامة عن وزارة العدل. وامتدت هذه «العشبة» السيئة حتى إلى الإجهاض، وهو موضوع شائك وحسّاس ومعقد جدا يحتاج إلى رصانة استثنائية وليس إلى الخفة التي لا تحتمل هذه السياسة المبتذلة.

ولعل أحد أسباب طغيان هذه السياسة المبتذلة، التي تحشر أنفها في كل شيء بطريقة خرقاء، يكمن في أصل السياسة كمفهوم في العربية.

فالأصل اللغوي لهذا المفهوم هو فعل «سَاسَ»، وهو فعل بدوي بامتياز ويشير إلى بيئة تغلب عليها الأمية ونوع من الفوضى، ويعني فيما يعنيه الإشراف على الدواب وتدبير شؤونها والنظر في كل ما يتعلق بها، واسم الفاعل هو «السائِسُ»، (وسائس الخيل في المعاجم هو الذي يُعنى بها ويدير أمورها). وبالتالي، فالذي يمارس السياسية في العربية هو ذلك الراعي المشرف على «القطيع»، والذي يعطي لنفسه حق النظر في كل شؤونه وكل ما يتعلق به.

أما أصل المفهوم لدى المجتمعات الغربية، فهو ينحدر من كلمة «POLIS»، التي تعني في اليونانية القديمة «المدينة». فالـ»POLITICS» تشير عند المجتمعات الغربية إلى تدبير الشؤون العامة للمدينة، ولكنها لا تعشش بشكل مرضي في ركن كل بيت فيها.

ولعل بؤس السياسة عندنا يكمن، أساسا، في شموليتها، كما قال عبد الله العروي الذي ينهي كتابه «ديوان السياسي» بجملة تلخص وضعنا السياسي البئيس حقا، عندما يقول: «في ظل الأمية، السياسة طاغية ومنحطة. وفي ظل النظام الديمقراطي، مجالها ضيق وقيمتها عالية».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي