كلام في السياسة 

03 أبريل 2015 - 19:06

تنزلق الحياة السياسية في المغرب إلى أن تصير حياة بوليميك وسجال وحيل، وفخاخ وفخاخ مضادة، و«قوالب وحشيان الهضرة»، وضرب تحت الحزام… لا برامج، ولا حوار سياسي وفكري، ولا بدائل عن السياسات القائمة، ولا مشاريع، ولا هم يحزنون…

 والبداية من الحكومة التي تتوفر على الإدارة وعلى السلطة وعلى القرار.. الذي يطلع على جدول أعمال المجالس الحكومية الأخيرة يلحظ أنها مجالس فارغة تقريبا، باستثناء مشاريع قوانين ومراسيم الانتخابات. لا شيء في ماكينة التشريع التي تدفع النصوص إلى البرلمان، لا مشاريع كبرى، لا أفكار جديدة، لا تدابير ذكية لاحتواء البطالة وإنعاش الشغل والحد من التهميش والفقر. لا إجراءات جديدة لإطلاق ديناميات للتنمية لاستيعاب الخصاص المهول الموجود في مناطق كثيرة، حيث خرجت نتائج الإحصاء العام بأرقام مخيفة عن انتقال ثلثي المغاربة إلى العيش في المدن.. وأية مدن! كلها غارقة في فوضى المجالس المنتخبة، وفساد الإدارة، وتواطؤ السلطة الوصية، لكن أرقام الإحصاء لم تحرك شعرة واحدة في رأس الحكومة، ورئيسها مهتم هذه الأيام بدك أسوار المعارضة، والرد على منتقدي زيارته للسيسي، والرأي العام مشغول عن آخره بالبحث عن بطلي قصة حب في الحكومة، وكأن العريسين الجديدين سيحلان ربع مشاكل المغرب إذا ضربا الكحل في الأبيض. إننا أمام مخاطر حقيقية لتمييع السياسة وجرها من الجد إلى اللعب، ومن الخبر إلى الإشاعة، ومن القرار العمومي إلى أخبار البيبل، ومن الخطاب المؤسس على أفكار واختيارات إلى قفشات على المسرح تذوب في كأس الرأي العام مثل السكر في انتظار قطعة أخرى…

باستثناء قرارات مهمة تهم تخفيض ميزانية الدعم عن المحروقات، وتخفيض أثمنة الدواء، وصرف منح للمطلقات والأرامل المعوزات، لا توجد أشياء مهمة على جدول عمل الحكومة منذ أسابيع، وكأنها في الربع ساعة الأخيرة من عمرها، وليس في منتصف أدق مرحلة من حياتها. يجب ألا تشل الانتخاباتُ آلة العمل الحكومي، ويجب ألا يوقف الضجيجُ العملَ. إن زمن الإصلاح قصير، والوقت أغلى شيء في السياسة، والعمل الذي لا تقوم به اليوم لا تستطيع أن تقوم به غداً…

المعارضة حكاية مضحكة، وأحزابها فقدت البوصلة تماماً، وعوض أن تركز على وظيفتها الرئيسة المتمثلة في مراقبة العمل الحكومي، واقتراح بدائل، وإقناع الرأي العام بأنها غداً ستكون أفضل من الأغلبية إن نالت الثقة، اختارت المعارضة الصراخ والضجيج والإثارة وخلط الأوراق، والتركيز على شخصية بنكيران عوض سياسته، والانشغال بلغة رئيس الحكومة عوض قراراته، وعندما فشل هذا الأسلوب في إقناع الناس، وظهرت استطلاعات الرأي في صالح الحكومة ورئيسها، اتجهت المعارضة إلى الاستقواء بالقصر، ومحاولة توريط الجالس على العرش في خلافات الأحزاب السياسية التي لا تنتهي، ويبدو أن المعارضة في حاجة ماسة إلى دروس تقوية في مادة القانون الدستوري لتفهم أن التحكيم الملكي له قواعد وأصول، وليس حلوى «لعب وكول» التي كنا نشتريها ونحن أطفال…

يقول مثل إفريقي قديم: «ليس ضروريا أن تقطع الشجرة لتسقط ثمارها».. هذا بالضبط ما تريده كتيبة المعارضة اليوم.. قطع شجرة الديمقراطية لإسقاط حكومة بنكيران. أيها السادة، أليس وسطكم رجل حكيم؟ ليس ضروريا أن تطلبوا الرعاية الملكية في الانتخابات المقبلة من أجل التغلب على أحزاب الأغلبية، وفي مقدمتها العدالة والتنمية، وليس ضروريا أن يتهم شباط بنكيران بأنه داعشي، وليس ضروريا أن يتهم لشكر رئيس الحكومة بأنه هتلر، ولا يليق بإلياس العمري أن يخاطب أم بنكيران ويطالبها بأن تعيد تربية ولدها… ليس ضروريا كل هذا البوليميك الذي يقوي بنكيران ولا يضعفه لأنه يعطيه كرات سهلة في الملعب الذي يستهويه…

هذه البلاد تتوفر على حظوظ كبيرة للنهوض، وتتمتع بطاقات كبيرة وخصائص طبيعية وثروات وطنية وموقع جغرافي تحسد عليه، لكن شيئا واحدا ينقصها.. نخب سياسية في المستوى. للأسف، وبفعل عوامل كثيرة، اختطف مجموعة من القراصنة سفينة السياسة المغربية وأفرغوها من محتوياتها ونهبوها، وها هم يتشاجرون على بيع أجزائها بالتقسيط في سوق المتلاشيات… انتهى الكلام.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

عبدالكريم بوشيخي منذ 9 سنوات

النظام الجزائر هو في سباق مع الزمن لليوم الموعود و هو يوم الحسم في قضية الصحراء المغربية كما يتمنى فمنذ سنة كثف من انشطته و دعوته لعدة قادة دول افرقية لزيارة الجزائر حتى تكون طرفا في النزاع و لكن بالمقابل ماذا فعلت دبلماسيتنا لافشال مخططات العدو و القيام بهجوم مضاد انا لا افهم هذا السبات و هنا اتذكر في الثمانينات كان المغرب دائما يقود حملات دبلماسية الى جميع دول العالم و تعبئة داخلية كلما طراء اي مستجد كان على الدبلماسية ان تعي خطورة الموقف و ان تغير من اسلوبها فهذا الاتحاد الافريقي الذي تسخره الجزائر يجب مواجهته لان الجامعة العربية الاقرب للنزاع التي تقع الصحراء في خريطتها ترفض هذا الكيان المزعوم و لا و لن تعترف به هناك منظمة المؤتمر الاسلامي حيث لا مكان لخرافة الشعب الصحراوي فيها و كذالك منظمة عدم الانحياز لا تعترف بصنيعة الجزائر كل ما في الامر ان الجزائر تلعب في افريقيا بغيابنا و مع دولها الفاشلة التي تبيع مبادئها بارخص الاشياء لذالك يجب على الدبلماسية ان توصل هذه الافكار الى الامم المتحدة و بان كيمون و مجلس الامن حتى تضعه في الصورة و ان البوليزاريو مطرود من جميع المنظمات

مغربي حر منذ 9 سنوات

مع أحترامي لمقالك ، فإني أظن أنه وقي هذه المرحلة بالضبط محتاجون للعدالة و التنمية و محتاجون لخطابها الذي يعري الفساد ، رغم أنهم لم يستطيعوا القضاء عليه ، لكن على الأقل إنكشف المستور و أصبح المغاربة يعرفون اليوم الطريقة التي كانت الأحزاب السابقة تسرق بها ثروات الشعب ...أنا متفق معك على أننا محتاجون الى نخبة سياسية جديدة قوية تقتلع الفساد من جدوره و تظهر للشعب ما تحت قمة الجبل من فساد ، حيث ان كل ما نعرفه اليوم من قضايا الفساد ما هي إلا قمة الجبل تخفي تحتها العجب العجاب ...ملايير و ملايير تسرق ليل نهار و الشعب يموت في الجبال و في دور الصفيح و في الصحاري ...و كما قلت ،هذه البلاد تملك الكثير لكي تنهض و لكن ينقصها نخب سياسية شريفة و عندها ضمير و تخاف الله

hicham ayour منذ 9 سنوات

مقال أكثر من رائع !!

حسن طنجاوي منذ 9 سنوات

شخصيا اشكركم على هذا المقال الذي ضربتم به صميم المعارضة التي لا تنظر خطوة الى الامام

M.KACEMI منذ 9 سنوات

ما العمل إذا كان محترفو "قليب لبصار" بالكلام يكتسحون الساحة الخطابية في أفق الانتخابات، بكفاءات لا تقل عن تلك التي لدى أهل " السماوي"(لشكر وشباط نموذجا)، لابتلاع الرأي العام ووضعه في "جيبهم؟. إن امتنع بنكيران وصحبه عن الرد، فالنتيجة يسهل توقعها: ذهاب البلاد في "كروسة الليل"

مغربي على قد الحال منذ 9 سنوات

يجب اقناع الناس بجدوى السياسة وتاثيرها على الواقع الذي يعيشونه ويجب ان يفعل سيف القانون فوق رؤوس الجميع بعدها ستتكون احزاب حقيقية وينخرط الناس فيها لتفرز نخب سياسية وستتلاشى هذه الشرذمة الطافية الان من تلقاء نفسها ولكن اولا وقبل كل شئ يجب توافر الارادة السياسية

عماروش منذ 9 سنوات

كلام جامع مانع ، لم يغدق المديح لاحد ووضع الكل في سلة واحدة وهي سلة الرداءة السياسية وقلة الافكار وانعدام النجاعة. لاكن اليس ذلك لان هناك وراء كل هذه الخلاصات المحزنة المحبطة ، من يريد للمشهد ان يكون كذلك ، الكل ضعيف والكل راسب والكل لا يستحق الاقتداء به . اطلب بكل اخلاص ، ان يكتمل هذا المقال بمقال اخر يتطرق الى سبب هذه الرداءة الشاملة للجميع . كذلك نكون اكاديميين وفاعلين ، وليس فقط مشخصين للاعراض دون تشخيص الداء . اتمنى هذا فحركة 20 فبراير وشعاراتها لازالت تتردد داخلنا ، لانها فعلا كتبت بشكل بليغ عناوين هذه الامراض.

التالي