ذهنية الزاوية

03 أبريل 2015 - 22:38

طفت إلى سطح الذاكرة هذا الأسبوع تلك الصورة التي كانت لي عن هذا الكائن العجيب الذي يسمى «معارضة». كان خيالي الجامح يخلع على أبرز رجالها صورة الأبطال الأقوياء الذين كانوا يؤثثون تلك الأفلام التي كنت أتابع في سينما «الملكي» أو «الكواكب» أو «موريتانيا» بدرب السلطان (وهو أحد أعرق أحياء الدار البيضاء)، مع العلم أن أهم وجهي المعارضة بالنسبة إلي آنذاك، أي الراحلين عبد الرحيم بوعبيد وعلي يعتة، كانا يبدوان في كل صورهما شيخين نحتت السنين ملامحهما. ولكن رأسيهما اللذين اشتعلا شيبا لم يحولا دون تخيلهما وهما في خفة أولئك الأبطال الذين كانوا يعاركون دائما جبارا بملامح مخيفة وينتصرون عليه في النهاية.

بعد ذلك، لما كتب لي الاطلاع قليلا على ما تيسر مما سمي مدرسيا «الأساطير الإغريقية والرومانية»، تخيلت الرجلين الشيخين، ومعهما آخرين، مثل أولئك العملاقة (the titans)، أي أطلس وبروموثيوس وغيرها، الذين تحدوا كبير الآلهة «زيوس». وظلت هذه الصورة عالقة بالذاكرة والروح وإن انتبهت فيما بعد أن هؤلاء كلهم ربما كانوا سيعيدون بشكل أو بآخر، إنتاج ما كانوا يعارضونه بما أنهم كانوا ينطلقون من البنية الفكرية المحايثة ذاتها التي كان يقوم عليها المخزن.

تلك الصورة إذن هي التي لُذت بها هذا الأسبوع، وأنا أتابع تصرفات «معارضة» أخرى يقودها مبدئيا تنظيم، وهو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كانت الكائنات المغربية المستضعفة تعتبره تلك «الكرمة» أو «النخلة» (والشجرتان لهما حرمة خاصة لدى الكائن المغربي) التي يفيئون إلى ظلها، هربا من القهر والاستبداد.

فهذه المعارضة، وفيها هذا الحزب الذي ينادي مبدئيا بتطبيق الملكية البرلمانية، لم تجد أدنى حرج في اللجوء إلى رئيس الدولة الذي يجب مبدئيا أن يبقى بعيدا عن التدافعات والنقاشات الحزبية، لتطلب «حمايته» من خصم سياسي بدا متقدما عليها في الساحة السياسية.

فبعد أن كانت المعارضة، التي لم يتبق منها سوى تلك الصورة العالقة بالذاكرة، ترفع مذكرات تطالب بالتخفيف من السلطة الاستبدادية للنظام وتوسيع صلاحيات السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبعد أن كانت تلك المعارضة ترفض مقترحات الراحل الحسن الثاني وتقاطع الاستفتاءات التي ينظم لتمرير دساتيره، ها هي معارضة اليوم ترفع مذكرة لا تطلب فيها إصلاحا سياسيا أو دستوريا، بل تستعطف فيها، وبلغة تذكر بالمراسلات السلطانية، رئيس الدولة لكي يتدخل في شأن كان من الأجدر بها أن تشجع على ابتعاد القصر عنه.

لن أنخرط هنا في سجال دستوري، لا أستسيغه وليس هذا مقامه على كل حال، لأنني أرى أن تصرف هذه المعارضة ينم عن خلل أعمق بكثير من أي نص قانوني.. خلل يعود إلى البنية الذهنية للمشرفين عليها. وهي ذهنية قبلية تؤمن بالشخص وليس بالمؤسسة.. إن ذهنية الزاوية (بالمعنى المغربي) تؤمن بالشيخ وبركاته وليس بنص الوثيقة التي تنظم العلاقات بين مؤسسات الدولة.

إنها ذهنية تُنم على عدم اكتمال فردانية قادة هذه المعارضة، تلك الفردانية التي تعتبر شرطا أساسيا لتملك القدرة على تأطير الناس واقتراح مشاريع مجتمعية عليهم. وفي ظل غيابها يحس هؤلاء الزعماء، دائما، أنهم رهينون ومدينون إلى يد عليا هي التي تسبغ الرضا، وهي التي توفر الحماية.. هي باختصار القادرة على جلب المنفعة ودفع الضرر.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

عبد الله منذ 9 سنوات

ما قامت به المعارضة هو ابتزاز للنظام قبيل الانتخابات ، وبعد بروز موشرات قوية لتصدر حزب العدالة والتنمية لنتاءجها. ما هو الحل اذا ؟ يبدو لي ان النظام الممثل في المستشارين سيحرك ادواته من وراء ستار لتحقيق ما يلي: 1- تاجيل الانتخابات لسنة على الاقل 2- الامعان في تلطيخ سمعة ال PJD بامور ،مثل ما حدث من لقاء مع cc ، ومشاركة في حرب اليمن والتي موجباتها غير واضحة ونتاءجها غير محسومة 3- اغراق المدن الكبرى بالمهرجانات المخلة بالاخلاق والشذوذ ، 4- اغراق المواطن باخبار الرشوة والفساد وسوء التدبير ونسج تقارير طويلة من طرف المجلس الاعلى للحسابات ، لاكن دون اتهام المختلسين بل فقط للاشهار الاعلامي لا غير 5 - من خلال ما سبق سيقوم الاعلام بتجييش المواطنين ضد الحزب بعلة انه راع للفساد وناشر للرذيلة و مطبع مع الاعداء ولا مبدا ولا خلاق له، همه هو الاحتفاظ بالسلطة لا غير. الخلاصة ان هذه الحرب هي حرب ضد الربيع الدمقراطي المراد منها، ليس حزبا معينا، انما نشر الاحباط بين افراد الشعب من اي طموح ديمقراطي حقيقي. على المواطن ان يرتفع لمستوى المسوولية الملقاة عليه والسلام .

التالي