يبدو أن الروائي عبد الكريم غلاب لم يدفن الماضي فعلا، خلافا لما جاء في روايته المعروفة الصادرة سنة 1966، بل عاد إليه في روايته الجديدة «المنفيون… ينتصرون»، كأنه يريد التأكيد على عنوان روايته «لم ندفن الماضي» الصادرة سنة 2006. إلى موضوع قلما تناولته الأقلام، هو موضوع النفي في المغرب. وإذ يركز في هذه الرواية على حالة علال الفاسي، الذي نفي إلى الغابون مدة تسع سنوات. لكنه يحيل من خلالها إلى ظاهرة الانتقام التي مارستها فرنسا بطريقة متوحشة في حق الوطنيين المغاربة إبان الاستعمار.
يعالج صاحب «دفنا الماضي» في هذه الرواية، كما يقول لجريدة « اليوم24» في اتصال هاتفي، قضية مهمة من قضايا تاريخ الحركة الوطنية في المغرب، شكلت محنة من المحن التي عاشها المغاربة إبان الاستعمار. إذ يتناول هذه الظاهرة باعتبارها جزءا لا يتجزأ من تاريخ العقاب، الذي سلطته الدول الاستعمارية، خاصة فرنسا وإنجلترا وهولندا، على المقاومين والمناضلين السياسيين، خاصة في شمال أفريقيا ومصر وجنوب أفريقيا والهند (المهاتما غاندي، سعد زغلول، الحبيب بورقيبة، مصالي الحاج، محمد الخامس، وعبد الكريم الخطابي، الخ).
ويصور غلاب النفيَ، في هذه الرواية، جريمة غير قانونية، غايتها القضاء على أفكار المواطنين التحررية. كما يقدمه باعتباره فعلا همجيا، يتنافى مع المبادئ الحضارية التي تدافع عنها القارة الأوربية، وبوصفه اعتداء على الحرية الشخصية، وعلى حق المناضلين الوطنيين في مناهضة جميع أشكال الاستعمار والاحتلال.
وإذ يعتبر غلاب أن روايته تتناول، أساسا، حالة النفي التي تعرض لها الزعيم الاستقلالي علال الفاسي، الذي نفته فرنسا إلى المجاهل الأفريقية (الغابون) لمدة تسع سنوات، فإنه يقول إن روايته تحيل على حالات أخرى، سواء بطريقة مباشرة، أمثال محمد بن الحسن الوزاني وأحمد بلافريج، أو بطريقة غير مباشرة، مثل عبد الكريم الخطابي، رمز المقاومة في الريف. غير أنه يرى أن نفي علال الفاسي كان أشدّ وأقسى حالة نفي يتعرض لها زعيم سياسي مغربي، على اعتبار أنه كان محروما من القراءة والكتابة، ومن زيارات عائلته وأقربائه وأصدقائه، حيث يشير غلاب هنا إلى أن علال الفاسي لم يلتق أي مغربي، ولم يسمع أحد يتحدث اللغة العربية، طوال مدة نفيه.
في هذا السياق، يكشف غلاب، خلال الاتصال ذاته، أن الغاية من تأليف هذه الرواية هو تسليط الضوء على الآثار النفسية والاجتماعية، التي تفرزها عملية الانتقام هذه في المنفي نفسه. لكنه يشير، أيضا، إلى بعض جوانبها الإيجابية، مثل الرغبة في التعلم والاستفادة، التي تنشأ لدى المنفي خلال فترة نفيه. إذ يشير إلى أن فرنسا كبتت هذه الرغبة في نفس علال الفاسي، في محاولة منها، ليس لإبعاد الجسم فقط، بل لإبعاد الفكر والعقل والكلام أيضا..
غير أن الرواية لا تصور المأساة فحسب، فهي ترصد كذلك نشوة الانتصار، انتصار المنفي. والمقصود بالانتصار في هذه الرواية تحقيق استقلال المغرب، وعودة المنفيين بعد أن ظنوا أنهم سيقبرون في المنافي. ومن هنا، فهو يفترض أن المغرب الحديث مدين لهؤلاء الذين أدوا ثمن فقدان حريتهم، وعانوا سنوات طوال من الشقاء والبؤس، وذاقوا مرارة السجن وعذاب النفي والاضطهاد.