لم يمر إعلان اتفاق لوزان، أو إطار مبادئ حول الملف النووي الإيراني، دون ردود فعل دولية وإقليمية متباينة. فبينما قرأ فيه رئيس أقوى دولة انتصارا لشخصه ولإدارته الديمقراطية في مواجهة منافسيه في الحزب الجمهوري، ابتهجت إيران واعتبرته فوزا سياسيا. أما القوى الإقليمية فكانت مواقفها متباعدة بحجم التباعد الذي يميز علاقاتها مع إيران. فهكذا، لم تتردد إسرائيل في التعبير عن غضبها مما حصل، وتخوفها من أن يُشكل اتفاق الإطار مخرجا لإعادة إيران لقوتها، وموقعها في المنطقة. أما دول الخليج العربي، الواقعة على مرمى حجر من إيران، فقد عبرت في أكثر من مناسبة عن مخاطر امتلاك إيران القنبلة النووية، على الرغم من وجودها محاطة بأكثر من دولة نووية (الهند، الباكستان وإسرائيل(.
لاشك أن المتمعن في مضمون ما نُشر حول اتفاق لوزان يلاحظ انطواءه على مصفوفة من المبادئ والقواعد الناظمة للعلاقات الإيرانية مع الغرب والعالم، من زاوية حاضر القدرة النووية الإيرانية وآفاق تطورها. فمن أولى هذه القواعد أن الإطار المتفق عليه يعترف بوجود مصلحة مشتركة بين إيران والغرب، وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية، في رعاية نجاح هذه الخطوة وضمان استمرارها وديمومتها، وهو ما يفهم منه تاليا أن الطرفين ملزمان بالحوار، والتنسيق، والبحث عن المشترك. ويترتب في الواقع عن هذه القاعدة مبدأ آخر، يُجبر الطرفين (إيران والغرب( على التوافق على كل الملفات، وليس الموضوع النووي فقط، مما يعني في النهاية الاعتراف بمكانة إيران كفاعل إقليمي في المنطفة. أما القاعدة الثالثة فتُقنع بأن مستقبل التعاون بين إيران والغرب، يجب أن يستمر، ويُعاد بناء الثقة بين الطرفين، كي يتم تثبيت اتفاق الإطار، أي الموضوع النووي، ويتحقق تقدم ملموس في النزاعات ذات العلاقة في المنطقة، أي الصراعات الدائرة في العراق وسوريا، واليمن، وإلى حد ما لبنان، والتي توجد في قلب أحداثها كل من إيران والغرب.
كيف يُمكن إذن قراءة اتفاق لوزان من زاوية مستقبل الأمن الخليجي؟
ليس ثمة في الواقع قراءة بالمفرد، هناك، بالعكس، عدة قراءات. أو من باب التبسيط، هناك قراءتان اثنتان: تنطلق القراءة الأولى من رؤية محددة سلفا، تراكمت عناصرها عبر سنوات، وغدت نمطا غير قابل للتغيير في التعامل مع إيران، كدولة، وقوة في المنطقة. أما مناطها فهو أن إيران خطر على المنطقة العربية، وعلى الخليج بدرجة أولى. ويترتب عن ذلك بالضرورة السعي دون هوادة إلى تحجيم قدراتها، لتحويلها من فاعل إقليمي مؤثر، إلى مجرد دولة عادية تعيش وتتعايش مع جيرانها. لذلك، يرى أصحاب هذه الرؤية أن أي انفراج في العلاقة بين إيران والغرب، سيسمح للإيرانيين باستعادة مكانتهم، وبالتالي موقعهم في الترتيبات الجيوسياسية التي ترتسم معالمها بالتدريج. أما القراءة الثانية، فتذهب إلى أن اتفاق لوزان حدث مهم، وفرصة مناسبة لإعادة إيران إلى موقعها الطبيعي كعامل توازن في المنطقة، ومن ثمة شكل اتفاق لوزان انتصارا للحكمة، وتتويجا للحوار الضروري بين القوى المتصارعة، وأن المستقبل كفيل بأن يبين استراتيجة ما أسفرت عنه رحلة التفاوض مع إيران من أجل بناء المشترك.
لاشك أن دول الخليج، باستثناء سلطنة عُمان، تنتسب في عمومها إلى الرؤية الأولى، وأن الصورة النمطية المتبادلة بينها وبين إيران مازالت ضاغطة، ومتحكمة في مواقفها حُيال هذا البلد.. لكن يبدو، في المقابل، أن هناك حاجة ماسة لإدارة العلاقات بين منطقة الخليج وإيران بشكل مغاير، وتأسيسا على مقاربة مختلفة. فالواقعية تقضي بناء علاقات جديدة، منزوعة من التراكمات التاريخية والثقافية لبناء الثقة. إن العرب وإيران في حاجة إلى نسج علاقات جديدة مبنية على الاحترام المتبادل، والتعاون المشترك. لذلك، فبدون الاقتناع بهذا الأفق سبيلا لتبديد المخاوف، سيُضيّع العرب وإيران فرص النجاح المشترك.