إنجاز: عائشة شعنان ومنير عبد الرزاق (طنجة)
من يكون هذا الشاب الذي يتزين بطريقة تشبه طريقة تزين النساء؟ كيف خرج من دائرة الظلام إلى النور في ظرف أقل من أسبوع، على الرغم من أنه كان يشتغل منذ أزيد من سنوات ببيته الشهير أو “زاويته” بطنجة؟ ما سره؟ وما حقيقته؟ ماذا يقول جيرانه ومحيطه عنه؟ بين الشعوذة والخرافة ماذا يقدم لزواره المتعددي المشارب؟ والأهم من ذلك من هم زبناؤه الذين “يؤمنون” بما يقدم؟
الجواب في تحقيق مصور بالصوت والصورة على اليوم 24..
وسط حي هادئ مساكنه أشبه ببيوت قرى الريف البسيطة، انتصب بيت انفرد بلونه الأبيض والأخضر وأبوابه الخشبية التي تعود بناظرها إلى سنوات هيمنت فيها الصناعة التقليدية على معمار المغاربة..بيت يشي من بعيد أنه ليس عاديا وأن جدرانه تحمي أسرارا وقصصا تثير الكثير من الفضول. هذا البيت المعروف لدى سكان « حومة الواد » في طنجة البالية ب »الزاوية » يقصده زوار كثر، وبنفس اليقين يحذر آخرون أن تطأ أقدامهم عتبته بعد أن تحول على حين غرة، هو وصاحبه، إلى أشهر من نار على علم…إنه بيت « الشيخ » محمد العربي الصمدي…بيت من يعرفه « شعب الفايسبوك » ب »شيخ الخوارق والكرامات »..ومن يلقبه بعض جيرانه ب »المشعوذ العار » !
اليوم 24 في رحلة البحث عن « هوية شيخ الخوارق »…
على امتداد الأسبوع الماضي، كان حديث الألسن « شيخ » في مقتبل العمر..شاب يافع ببنية نحيفة يتزين بطريقة مفرطة.. »شيخ » “يفك كرب كل مهموم، ويطوي صفحة جراح كل مكلوم..يداوي المرضى ويزوج العذارى..يبطل السحر ويجمع الشمل “…يفعل كل شيء من أجل البشرية بلمسة يد لدرجة ان بعضهم قدمه على أنه “المهدي المنتظر”!
تناسلت الأقوال والأحاديث لدرجة أن صوره ألهت فئة كبيرة عن فاجعة طانطان التي راح ضحيتها 34 شخصا أغلبهم أطفال، وظلوا يلاحقون شخصا « راج » أنه يمشي على الماء ويطير في الهواء ويحول التراب الى ذهب !!
كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحا عندما وصل فريق اليوم 24 إلى مدينة طنجة..أول نقطة كانت محطة بنزين قرب القنطرة الجديدة. « الوقوف هنا ممنوع..ابتعدوا لو سمحتم »، هكذا رد أحد عمال المحطة على فريق اليوم 24، لكن بمجرد علمه بأن السيارة تنتظر وصول « الشيخ الصمدي » تغيرت نبرة الكلام، بل وتحولت إلى اعتذار !
كان بيت الصمدي هادئا لا زوار فيه في تلك الصبيحة المشمسة. « الشيخ » استيقظ لتوه من النوم ونزل « مختالا » كعادته لاستقبال طاقم صحفي من ضمن عشرات الصحافيين الذين تقاطروا على بيته منذ أن دخلت صوره عالم الفايسبوك. ظل يوزع الابتسامات ذات اليمين والشمال بهدوء، ثم سرعان ما استقر بمكانه المعهود فوق « منصة » تشبه منصات كبار الأئمة نصبت في ركن معزول داخل « زاويته ».
استقر « الشيخ » بمكانه، لكنه كان مجبرا ساعتها على استقبال ضيوف « استثنائيين » حلوا دون سابق إنذار ببيته.. إنهم رجال الأمن »، يقول الصمدي مستسمحا فريق الموقع لاستقبالهم.
بعد عودته، أسر الصمدي أن العناصر الأمنية “وعدته بتوفير الحماية له، بعد أن تم إخباره بأنهم مبعوثين من الرباط”. وأضاف إنهم “سألوه عن أعدائه والجهة التي يشك في أنها وظفت صوره من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة”. كانوا 3 أشخاص بزي مدني.. اجتمعوا بالصمدي ووالده زهاء نصف ساعة قبل أن يغادروا مرفقين ب »دعوات » الشيخ.
عاد « الشيخ » إلى مستقره..نفس اللباس الذي عرفه به « شعب الفايسبوك »، الرزة على رأسه، والجلباب الأبيض و »البلغة »، وكأنها الصورة نفسها التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي !
حاول « الشيخ » أن يحيط زاويته بأجواء روحانية..اللون الأبيض والأخضر يهيمنان على المكان، وعلى الحائط علقت صورة ل »صاحب المكان » كتب عليها « العارف بالله والدال عليه سيدي محمد العربي الصمدي »، وإلى جانبها لوحة دونت تفاصيل « الصلاة المشيشية »، فيما التسابيح والشموع المختلفة الألوان والأشكال تضفي « رهبة » خاصة على ما يطلق عليه الصمدي ومريدوه « الزاوية الصمدية المشيشية ».
..الآن « الشيخ » الصمدي يدخل واحة البوح !
حرص « الشيخ » الصمدي على أن لا يغير شيئا من عاداته، استقر بمكانه المعهود على طريقة « المشايخ » والسبحة بين يديه. تارة يوضح، وأخرى يسخر مما راج حوله، خاصة تلك « الهلوسات »، التي رافقت صوره التي تسربت على مواقع التواصل الاجتماعي، أو التي « تم تداولها خارج سياقها »، على حد تعبير « الشيخ » الشاب.
« ابن مدينة طنجة، البالغ من العمر 25 سنه، والذي حوله البعض إلى شيخ للخوارق والكرامات، ليس إلا شابا تشبع بالصوفية منذ ولادته »، يقول مصطفى الصمدي، والد « الشيخ »، مضيفا وإشارات الجدية واليقين تتسرب إلى ملامح وجهه « كان لا يصاحب الأطفال ولا يجتمع مع أقرانه..يجد راحته في قراءة الكتب الصوفية، والتشبع بمبادئها، كما كان حريصا منذ صغره أيضا على ارتداء الجلباب و »الرزة » »، يؤكد الأب، الذي جلس إلى جانبه رفقة ابنه الأصغر عادل الصمدي.
وبنفس الثقة، صار الشيخ » يسرد قصته مع « الصوفية »، قائلا « هذا لباسنا المغربي، فأنا لم اخترعه ولا استقدمته من أي مكان »، مضيفا « أحببته وآمنت به وبقيت على عهده ». لكن هذا اللباس نفسه كان من العناصر التي أخرجته إلى دائرة الضوء، بعد أن رافقه ب »لمسات خاصة »، فما الذي حوله فجأة إلى « نجم »؟ « إنه الفايسبوك »، يقول، قبل أن يردف « هاد الناس شهرونا الله يكثر خيرهم، علما أن 99 في المائة منهم لا يعرفوني ولا سبق لهم أنا زاروني ».
على الرغم من أنه شاب، إلا أن علاقته بالعالم الأزرق منقطعة تماما، أكثر من ذلك فهو « ينكر الفايسبوك، وينكر مخترعيه !! ». ويقول « لا أملك حسابا ولا أي صفحة على موقع الفايسبوك، والصفحات التي أنشئت خلال اليومين والتي تتحدث بلساني لا تمثلني ». وزاد « أنا لا وقت لي للعالم الافتراضي، ولا محل له في قلبي ولا لساني ولا عقلي وأنكره وأنكر مخترعيه ».
صدى ما نشر عنه بلغه عن طريق مريديه، ويقول الشيخ الذي بدا مستمتعا بالحديث عن « الخرافات »، و »الهلوسات »، التي أطلقها أصحاب تلك الصفحات « أرجعوني قادرا على الطيران والمشي على الماء وتحويل التراب الى ذهب وإرجاع المسروق..صراحة أشكر هؤلاء الفايسبوكين على الشهرة التي حققوها لي في وقت وحيز جدا، لأصبح حديث المغرب والعالم العربي ».
« شيخ الخوارق والكرامات خرافة لا تصدقوها…لكن البركة كاينة » !!!
حاول « الشيخ » الشاب التبرأ قدر الإمكان مما نشر عنه، خاصة الجانب المتعلق ب »الخرافات »، لكن ما سر « تقبيل اليد »؟؟ « الناس تحضر لطلب البركة »، يقول الصمدي، مضيفا « تقبيل اليد عادة حسنة عند المغاربة وتنم عن الاحترام ولا علاقة لها لا بالتقديس ولا أي شيء، قبل أن يردف « هناك من يقبل يدي احتراما، وأحيانا من باب المزحة، كما يحدث أن أقبل أنا أيضا يد غيري، ولا عيب في ذلك ».
حرص « الشيخ » على نفي « الخرافات » عنه، لكنه بالمقابل ظل يصر على أنه يقدم « البركة » لزواره، قائلا « لدي مريدون وزوار من مختلف مناطق المغرب يأتون طلبا ل »البركة »، وهذه « البركة » ورثتها عن جدي ».
عاهرات وبارونات مخدرات..وسياسيون أيضا من زوار « الشيخ » !
« البركة.. »التعزيم »، هذا ما يقدمه الصمدي لزبنائه ! ، وهؤلاء الزبناء من مشارب مختلفة، قد يكون بينهم « سياسيون ووزراء، وعاهرات وأيضا تجار مخدرات ». « كل مريض يؤمن بالله يقصدني، لا يهمني المناصب التي يشغلها طالب البركة، بقدر ما يهمني أن يكون مؤمنا وشخصا يحترم قدسية الزاوية ». وأردف قائلا ونبرة اليقين تتملك صوته « يمكن أن أستقبل في زاويتي بارون المخدرات والعاهرات والكفار أيضا..لا أفرض استقبال من قصدني، فمن يدري ربما تكون الهداية على يدي » !!
لقاء الشيخ يوضح حقيقة أن ما راج عنه انتعش واقتات على الخرافات والإشاعات، لكن هذا لا يوقف اليقين بأن « الشيخ » الشاب يعكس صورة المعتقد الشعبي الراسخ لدى الكثيرين في شيء اسمه « البركة »، وهو ما يحول في كثير من الأحيان مواطنين تحملهم لحظات ضعف وانتكاسات الحياة نحو عالم لا يقدم إلا « اليقين »..عالم يهرب أصحابه من حقيقة الواقع نحو الحلم المغلف برداءة « الدين » الذي يوظفه « بائعو الأوهام » من أمثال الشيخ الصمدي ل »بيعه » إلى « الضعفاء »، على حد تعبير بعض جيرانه الذين صاروا يرون في وجوده بحيهم « وصمة عار »، رافعين شعار « الشعودة..البركة..الخرافات BARAKA » !!!
[youtube id= »KvKvrPWUKpw »]